Thursday, 10 October 2024
A+ R A-

النَّهْىُ عنِ التَّسَرُّعِ فى التَّكْفِيرِ

Listen to the Friday Speech in English here: Inhibition of Hastening to Accuse of Blasphemy

الحمد لله الذى خلق الإنسان فسوَّاه فعدَله، فى أىِّ صورة ما شاء ركَّبه، وأنعم عليه بنِعَمٍ سابغات ولو شاء منعه، وشق له سمعه وبصره، وجعل له لسانًا فأنطقه، وخلق له عقلًا وكلَّفه. وصلى الله وسلَّم على سيدنا محمد صفوة خلقه وعلى ءاله البررة وأصحابه الخِيَرَة. أما بعد فإنِّى أوصيكم ونفسىَ بتقوى الله العلىِّ العظيم بأداء ما أوجَب واجتناب ما نهَى عنه. فإن نِعَمَ الله تعالى علينا كثيرةٌ لا نحصيها. وهو تعالى مالِكُنا ومالِكُ ما أَنعَم به علينا.

وقد أوجب اللهُ علينا شكرَ هذه النعم وذلك بأن لا نستعملها فى ما لم يأذن الله به، أى أن لا نستعملها فى ما حرَّمه علينا. فمالُكَ أخى المسلم نعمةٌ من الله تبارك وتعالى فلا تنفِقْه فى غير ما أذِن الله فيه. وبدنُك نعمة فلا تستعملْه فى معصية الله. ويدُك نعمة فلا تستعملها فى ما لا يُرضِى اللهَ. ورِجْلُكَ نعمة فلا تمشِ بها إلى ما يُسخِط اللهَ عليكَ. وعينُك نعمة فلا تنظر بها إلى ما نهَى الله عن النظر إليه. وأُذنُك نعمة فلا تستمع إلى ما حرَّم الله الاستماعَ إليه. ولسانُك نعمة فلا تستعمله فى ما حرَّم الله النُّطقَ به. فاتَّقِ اللهَ أخى المسلم ولا تعصِ اللهَ بما أنعم به عليك وملَّككَ إيَّاه. فإنَّك إن عصيتَه فقد عصيتَ مَن تجب عليك طاعتُه وظلَمتَ نفسَك. والله لا يحب الظالمين.

وَدَعُونا إخوة الإيمان نتحدث قليلا عن نعمة عظيمة من تلك النِّعَم التى شرَّف اللهُ بها الإنسانَ وامْتَنَّ بها عليه، ألا وهى نعمةُ اللسان. وقد ذكرها الله فى القرءان الكريم مُعدِّدًا نِعمَه على عباده حيث قال: ﴿أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ ٨ وَلِسَانٗا وَشَفَتَيۡنِ ٩﴾ (البلد). فهو نعمة بالغة غَزُرَ نفعُه وعَظُمَ خطَرُه حتى قيل فيه: جِرْمُه صغيرٌ وجُرْمُه كبيرٌ أى حجمُه صغير وما يحصل به من الذنب كبير. وقد حذَّر رسول الله ﷺ من خطر اللسان كثيرا. فمن ذلك ما صح فى سنن الترمذىّ أن مُعاذَ بنَ جَبلٍ رَضِىَ اللهُ عَنْه سأل رسول الله ﷺ قال: قلت: يا نبىَّ الله، وإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بما نَتكلَّمُ به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّك يا مُعاذُ! وهل يَكُبُّ الناسَ فى النار على وُجوهِهم أو على مَناخِرِهم إلَّا حصائِدُ أَلْسِنَتِهم!

وأوصَى النبىُّ ﷺ بحفظ اللسان وأَكَّده بقوله: مَن كان يُؤمِن بالله واليوم الآخِر فلْيَقُلْ خيرًا أو لِيَصْمُتْ. فالمراد أنَّ الشخصَ إذا أراد أن يتكلَّم فلينظر قبل أن يتكلَّمَ: هل فى هذا الكلام خيرٌ أو شرٌّ؟ فإن علم فيه خيرا تكلَّم وإلَّا سكت. والعمل بهذا الحديث فيه حفظ الدين. فإن الإنسانَ إذا تكلَّم بما يخطر له دون تفكير فى عواقب هذا الكلام فقد يهلِك بالوقوع فى كفر أو معصية. وقد يضيع وقتُه فى ما لا فائدة فيه لا سِيَّما أن أكثر المعاصى هى معاصِى اللسان. وذلك لأن النُّطْقَ أسهلُ شىء على الإنسان.

ومن ذلك أن بعضَ الناس يُسأل عن مسألة فيتسرَّع بالإجابة فيها وإعطاء حكم يزعُمُه حكمَ الشرع بغير علم ومن غير أن يعتمد فى الجواب على ما سمعه من العلماء. وهذا من المهلِكات. بل إن البعضَ قد يجيب السائلَ عن قول صَدَر منه بأنك وقعتَ فى الكفر والعياذ بالله من غيرِ تَرَوٍّ. وكان عليه قبل أن يقولَ كفَرتَ أن يَعرِضَ الكلام على قواعد الشرع أي أن يتعلَّم القواعدَ الشرعيةَ التى تُبنَى عليها المُكَفِّراتُ اللفظيةُ حتى يعملَ على وَفقِ ما قرَّره الفُقهاءُ.

ومن تلك القواعد أن ينظر فى اللفظ هل هو من الألفاظ الظاهرة التى لها بحسب اللغة أكثرُ من معنًى أم أنه لفظ صريحٌ ليس له إلَّا معنًى واحدٌ.

فإن كان من الألفاظ الظاهرة التى لها أكثر من معنًى بحيث إذا استُعمِلت فى الكلام يكون بعضها كفرًا وبعضُها ليس كفرًا، فلا يُكفَّر قائلُه إلا إذا عُلم منه إرادةُ المعنَى الكفرىِّ. ومثال ذلك ما رُوِىَ عن محمدِ بن الحَسن الشَّيبانِىِّ من أصحاب أبى حنيفةَ رضى الله عنهما وهو أنه لو قيل لرجل صلِّ، فقال لا أصلِّى. فإن أراد لا أصلِّى لأنِّى قد صلَّيتُ لا يكفرُ. وإن أراد لا أصلِّى لقولكَ لا يكفر، وكذا إن أراد لا أصلِّى لأنِّى متكاسلٌ. وأمَّا إن أراد أنه لا يُصَلِّى لأنه مُستَخِفٌّ بالصلاة فإنه يكفر. اهـ

وإن كان من الألفاظ الصريحة التى ليس لها إلا معنًى واحدٌ كفرىٌّ كَفَرَ قائلُها، إلَّا إذا كان لا يفهم المعنى بل يظن أن لهذه الكلمة معنًى غيرَ كفرىٍّ فإنه حينئذٍ لا يكفر. فمن سمع من شخص لفظا صريحا فى الكفر وغلب على ظنه لِمَا يعرفه من حال هذا الشخص أنه لا يفهم المعنى الكفرىَّ مما تلفَّظ به أى ظنَّ أن القائلَ يعتقد أنَّ اللفظَ الذى قاله له فى اللغة معنًى غيرُ المعنَى الكفرىِّ وأنه قصد به هذا المعنَى، فعندئذ يقول له: هذا اللفظ بحسب اللغة إن استُعمل فى هذا السِّياق ليس له إلا معنًى واحدٌ كفرىٌّ. فإن كنتَ قلتَه على هذا المعنى فعليك أن تتشهَّد. أما إن كنتَ تظن أن له معنًى ءاخرَ غيرَ المعانِى الكفرية فلا تكون قد وقعتَ فى الكفر. وإنما عليك أن لا تقوله بعد اليوم لأن معناه فاسد بحسب اللغة.

ومثل ذلك ما لو سمع الشخصُ من شخصٍ ءاخر كلاما على خلاف ما يعرفه من حكم الدين بالنسبة للتحليل والتحريم فى أمر ما. فإن كان السامع يعلم أن حكم الدين فى هذا الأمر كذا بالإجماع، وأنه أمر يعرفه كلُّ مسلم عالِمُهم وغيرُ عالِمهم حَكم أن هذا كلام فيه تكذيب للدين. لكن لا ينبغى للسامع أن يسرع فى الحكم على المتكلم ويتهمَه بكونه يريد تكذيبَ الدين إن كان يغلب على ظنه أن القائلَ لا يعلم أن الحكم هو على خلاف ما قال فى شرع الله، بل يظن أن حكم الدين ما قاله هو بِناءً على ما سمع من أهل ناحيته مثلا. فهنا لا يُحكم عليه بأنه أراد تكذيبَ الدين. وإنما أخطأ فنعلِّمُه الصوابَ، وهو أن حكم الشرع المجمعَ عليه فى هذه المسألة كذا وكذا، وأنَّ من قال بخلافه مع معرفته بأن المسلمين من أيام الصحابة إلى أيامنا على هذا فإنه يكفر لأنه يكون عندئذ مكذِّبًا للدين. ويلزمُه التَّشهُّدُ للرجوع إلى الإسلام. ونُعلِّمه أن عليه أن يتعلَّمَ قبل أن يتكلَّم، وأن الفتوَى بغير علم حرامٌ من الكبائر.

نسأل الله تعالى أن يُجَنِّبَنا الكلامَ الذى فيه معصيةٌ وأن يرزقَنا لسانًا ذاكرًا وقلبًا خاشعًا. إنه على كل شىء قديرٌ.

أقول قولِىَ هذا وأستغفر اللهَ لى ولكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد عباد الله اتقوا الله.

قال العلماء: إدخالُ كافر فى المِلَّةِ أمر عظيمٌ، وإخراجُ مسلمٍ من المِلَّةِ أمر عظيم. اهـ فيجب الاعتدال أى أن لا يُتَسَرَّعَ فى الحكم لمن هو كافر بالإسلام، ولا بالحكم على المسلم بأنه كفر. فقد قال رسول الله ﷺ: مَن قال لأخيه المسلم يا كافرُ، فقد باءَ به أحدُهما. فإن كان كما قال، وإلَّا رجعَتْ عليه. اهـ فينبغى للشخص أن يلزمَ جانبَ السلامةِ فى هذا الأمر ولا يَعجَلَ فى رَمْىِ المسلم بالكفر من غير دليل. الشيطان قد يقول للشخص أنقِذْ هذا الإنسانَ. قل له هذا الذى نطق به كُفرٌ؛ لِيتشهد، لأن له غرضًا وهو أن يُوقِع هذ الشخصَ بالحكم على مسلم بالكفر بغير حق فيكفرَ بذلك أو يعصِى. وهذا يُعجب الشيطانَ.

فكن يا أخى المسلم على ذُكْرِ أنكَ إذا تكلمتَ بكلمة كُتِب لك أو عليك. فإن اللهَ تعالى قال فى كتابه العزيز: ﴿مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨﴾ (ق).

اللَّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ.

الجمعة مسجد عمر ٥ ربيعٌ الآخِر ١٤٤٢ هـ - ٢٠ ت٢ ٢٠٢٠ر


Loading...

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation