ءافات اللسان
Listen to the Friday Speech in English here: Defects of the Tongue
الحمد لله الذى خلق الإنسان فسوَّاه فعدَله، فى أىِّ صورة ما شاء ركَّبه، وأنعم عليه بنِعَمٍ سابغات ولو شاء منعه، وشق له سمعه وبصره، وجعل له لسانًا فأنطقه، وخلق له عقلًا وكلَّفه. وصلى الله وسلَّم على سيدنا محمد صفوة خلقه وعلى ءاله المطَهَّرِين وطَيّبِ صحبه.
إخوة الإيمان إن نِعَمَ الله تعالى علينا كثيرةٌ لا نحصيها. وهو تعالى مالِكُنا ومالِكُ ما أَنعَم به علينا. وقد أوجب اللهُ علينا شكرَ هذه النعم وذلك بأن لا نستعملها فى ما لم يأذن الله به، أى أن لا نستعملها فى ما حرَّمه علينا. فمالُكَ أخى المسلم نعمةٌ من الله تبارك وتعالى فلا تنفِقْه فى غير ما أذِن الله فيه. وبدنُك نعمة فلا تستعملْه فى معصية الله. ويدُك نعمة فلا تستعملها فى ما لا يُرضِى اللهَ. ورِجْلُكَ نعمة فلا تمشِ بها إلى ما يُسخِط اللهَ عليكَ. وعينُك نعمة فلا تنظر بها إلى ما نهَى الله عن النظر إليه. وأُذنُك نعمة فلا تستمع إلى ما حرَّم الله الاستماعَ إليه. ولسانُك نعمة فلا تستعمله فى ما حرَّم الله النُّطقَ به. فاتَّقِ اللهَ أخى المسلم ولا تعصِ اللهَ بما أنعم به عليك وملَّككَ إيَّاه. فإنَّك إن عصيتَه فقد عصيتَ مَن تجب عليك طاعتُه وظلَمتَ نفسَك. والله لا يحب الظالمين الذين ظلموا أنفسَهم بمعصيتهم ربَّهُم.
إن اللسانَ إخوةَ الإيمان نعمةٌ عظيمة شرَّف اللهُ بها الإنسانَ وامتَنَّ بها عليه فى القرءان الكريم مُعَدّدًا نعمته عليه فقال عزَّ مِن قائل: ﴿أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ ٨ وَلِسَانٗا وَشَفَتَيۡنِ ٩﴾ (البلد) إلّا أن خطَرَه عظيم فإن جِرمَه صغير وجُرمَه كبير أي حجمه صغير وما يحصل به من الذنب كبير. وقد حذَّر رسول الله ﷺ من خطر اللسان كثيرا. فمن ذلك ما صح فى سنن الترمذىّ أن مُعاذَ بنَ جَبلٍ رَضِىَ اللهُ عَنْه سأل رسول الله ﷺ قال: قلت: يا نبىَّ الله، وإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بما نَتكلَّمُ به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّك يا مُعاذُ! وهل يَكُبُّ الناسَ فى النار على وُجوهِهم أو على مَناخِرِهم إلَّا حصائِدُ أَلْسِنَتِهم!
ومن حصائد الألسنة التى تكبُّ الناسَ على وجوههم فى النار الغيبةُ والنميمةُ. وهما من أسباب عذاب القبر. فإن ذكرتَ أخاك المسلمَ بما فيه بما يكرهُه فى خلفه فقد اغتبتَه وعصيتَ ربك، كأن تقولَ فيه فلانٌ سَىِّءُ الخلق أو ضعيفُ الفهم أو بخيل أو بيتُه وسخ أو أولادُه قليلو التربية ونحوُ ذلك. وقد شبَّهَ اللهُ تبارك وتعالى الغيبةَ بأكل لحم أخيك ميتًا فقال: ﴿وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ ١٢﴾ (الحُجُرات). أفتحب أن يأكل أحدٌ لحمَك ميتًا، أو أن تأكل لحم أخيك المسلمِ ميتًا؟ قطعًا إنك لا تحب! فاجتنبِ الغيبة.
أما النميمة فهى أن تنقل كلام شخص إلى ءاخر لتُفسِدَ بينهما. وهذا من الكبائر. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ اهـ رواه مسلم، أى لا يدخلها مع الأوَّلين لاستحقاقه العذابَ فى النارِ. والقَتَّاتُ النَّمَّام.
ومن حصائد الألسنة الكذبُ وهو الإخبار بخلاف الواقع. فإيَّاك والكذبَ جادًّا كنتَ أم مازِحًا فكل ذلك حرام.
ومنها الحَلِفُ بالله كاذِبًا وهو من الكبائر لما فيه من التهاوُن فى تعظيم الله تعالى. فإن كان فيه اقتطاعُ حقِّ مسلمٍ بهذه اليمين الكاذبة فقد أوجب اللهُ لفاعل ذلك النارَ، كما أخبر رسول الله ﷺ فيما رواه مسلم عنه فى صحيحه.
وإياك أخى المسلم من قَذْفِ المسلم، فإن ذلك من المهلكات. وذلك بأن تنسُبَ إليه الزنى ونحوَه. وقد تساهل كثير من الناس فى زماننا بقذف المسلمين والمسلمات بقول فلانةُ الزانية أو يا ابنَ الزانية أو يا أخا الزانية حتى لا تكاد تمرُّ فى طريق إلا ويطرُق سمعَك مثلُ هذا الكلام البشع القبيح. وقد قال عليه الصلاة والسلام: اجتنبوا السبعَ الموبِقات. رواه مسلم. وذكر منها قذفَ المحصنات الغافلات المؤمنات.
ومن هذه الذنوب التى هى من جُرم اللسان شتمُ المسلم بغير حق وهو من الكبائر. فقد قال عليه الصلاة والسلام سِبابُ المسلمِ فُسُوق اهـ رواه البخارىّ. وهذا مما تساهَل فيه كثيرٌ من الناس. فإيَّاك أخي المسلم وسَبَّ مسلم بغير حق. واحفظ لسانك، فقد قال عليه الصلاة والسلام المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمونَ مِن لِسانِه ويدِه. رواه البخارىّ. معناه المسلمُ الكامل هو الذى سَلِمَ الناسُ من لسانه ويده. وأما من لم يكن كذلك فلا يكون مسلمًا كاملًا. فإن كان بلعْنٍ كأن يدعوَ عليه باللعن كقول بعضهم "لعنَ اللهُ فلانًا" أى أبعده مِن الخير فهو أشدُّ. وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البيهقىُّ فى سننه: لعنُ المسلمِ كقتْلِه. وهذا لبيان عِظَمِ ذنبه.
ومن ءافات اللسان الاستهزاءُ بالمسلم بكلام يدلُّ على تحقيره. فهو داخل فى إيذاء المسلم بغير حق. وهذا مما يفعله كثيرٌ من الناس هذه الأيام. ومن أخطر ما يصدر من اللسان الكلام الذى هو كفر والعياذ بالله تعالى.
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعدُ، عبادَ الله اتقوا الله.
أخى المسلم ما تقدَّمَ يدُلُّكَ بوضوح على خطر اللسان فاعمل حمانِى اللهُ وإيّاك بما قاله رسول الله ﷺ: مَن صَمَتَ نَجَا. واعمل بما قاله سيدنا عبد الله بن مسعود حيث أمسك لسانه وخاطبه قائلًا: يا لِسانُ قُلْ خيرًا تغنَمْ، واسكُت عن شر تسلَم مِّن قبلِ أن تَندم. إنى سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: أكثرُ خطايا ابن ءادمَ من لِسانه. رواه الطبرانىّ وغيرُه
فإياك أخى المسلم من الاستهزاء بأخيك المسلم بكلام تجِدُه سهلًا على لِسانك يكون سببًا فى عذاب النار يوم القيامة. وإياك مِن سبِّ مسلم أو لعْنِه بغير حق تجدُ وَبالَه يوم لا تجزِى نفسٌ عن نفسٍ شيئًا. وإياك أن تغتاب مسلمًا فيكون سببُ عذابك فى قبرك. وإياك أن ترمىَ مسلمًا أو مسلمة بالزنى فتهلِكَ في الآخرة.
فالعاقل مَن عقَل لسانَه وَوَزَنَ قولَه قبل أن ينطِقَ به. فكلُّ ما تَتَلَفَّظُ به يكتبُه الملَكان الموكَّلان بذلك. فقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ ١٧ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨ وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ ١٩ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡوَعِيدِ ٢٠ وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ ٢١ لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ ٢٢﴾ (ق).
اللَّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ.
الجمعة مسجد عمر ١٢ ربيعٌ الآخِر ١٤٤٢ هـ - ٢٧ ت٢ ٢٠٢٠ر