فضلُ الصلاةِ على النبىِّ ومدحِه عليه الصلاة والسلام
Listen to the Friday Speech in English here: The Merit of Making Salah on The Prophet
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونشكرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا ومِن سيّئاتِ أعمالنا، مَن يهد الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادىَ له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعيننا وحِبِّ قلوبنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسولٍ أرسله.
أما بعد عباد الله، فإنى أوَصِّيكم ونفسىَ بتقوَى الله العلىِّ القدير القائل فى محكم كتابه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾ الأحزاب. ومعنى الصلاةِ هنا التَّعظيمُ. فالله عظَّم قدْرَ محمد وأَمَرَنا أن نطلبَ منه سبحانه أن يَزيد سيدَنا محمد شرفًا وتعظيمًا، وأن نطلب له السلامَ أى الأمانَ مما يخافُه على أمته.
إخوةَ الإيمان، لقد ورد فى فضل الصلاة على النبىِّ ﷺ أحاديثُ كثيرةٌ. منها ما رواه النَّسائِىُّ: ”مَنْ صلَّى عَلَىَّ مِنْ أُمَّتِى صلاةً مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ صلَّى اللهُ عليهِ عَشْرَ صلواتٍ، ورفَعهُ بِها عشْرَ دَرَجاتٍ، وكتبَ لهُ بها عشْرَ حسناتٍ، ومحا عنْهُ عشْرَ سيِّئاتٍ.“
وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فيما رواه مُسلم: ” إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ. فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا. ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِىَ الْوَسِيلَةَ. فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِى الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِى إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ. وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ. فَمَنْ سَأَلَ لِىَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ.“
قالَ رسولُ الله ﷺ:" أَكثِروا عَلَىَّ منَ الصلاةِ فى يومِ الجمُعةِ. فإنَّ صلاةَ أُمَّتِى تُعرَضُ عَلَىَّ فى يومِ الجمُعةِ. فمن كانَ أكثَرَهُم عَلَىَّ صلاةً كانَ أقرَبَهُم مِنِّى مَنْزِلةً." أخرجه البيهقىُّ فى سننه. اللهم اجعلنا منهم يا أكرمَ الأكرمين. اللهم صلِّ وسلِّم وعليه.
إخوة الإيمان، لقد أمرنا الله سبحانه بتعظيم سيدنا محمد ﷺ فقال وهو أصدق القائلين: ﴿فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِى أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٥٧﴾ الأعراف. فقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وعَزَّرُوهُ﴾ معناه أَثْنَوْا على الرسولِ ومدحوهُ وعظَّموهُ. فاحتِرامُهُ وتوْقيرُهُ وإجلالُهُ وتعْظيمُهُ ﷺ فرْضٌ مِنْ مُهِمَّاتِ الدينِ، وعَمَلٌ مِنْ أعمالِ المفلحينَ، ونهْجُ الأولياءِ والصالحين.
وقد جاء فى سُنن ابن ماجه عن أنس بن مالك: ”أنَّ النبىَّ ﷺ مرَّ ببعضِ المدينةِ. فإذا هوَ بجوارٍ -أى ببناتٍ -يضربنَ بدُفِّهنَّ ويتغنَّينَ ويقلنَ: نحنُ جَوارٍ من بنِى النَّجَّارِ يا حبَّذا محمَّدٌ من جارِ
فقالَ النَّبىُّ ﷺ: اللهُ يعلمُ إنِّى لَأُحِبُّكُنَّ.“
وهذا يدُلُّ أيها الأحبةُ على مشروعية مدْح رسول الله ﷺ مع الضرب بالدُّفِّ، لأن الرسول ﷺ الذى لا يسكت عن منكر لم يُنْكِرْ عليهنَّ، بل مَدَحَهُنَّ على ذلك. فدلَّ ذلك على أنَّ مدحه ﷺ فُرادَى وجماعةً بالدُّفِّ أو بدونه قُرْبةٌ إلى الله وعملٌ مقبولٌ وليس بدعةً سيئةً كما يزعمُ الذين حرَّمُوا المولدَ الشريف. بلِ اللهُ سبحانه وتعالى مدحَ نبيَّهُ وحبيبَه المصطفَى ﷺ بآياتٍ كثيرةٍ فى كتابهِ الكريم أظْهرَ بها مكارِمَ أخلاقهِ وشرفَ حالهِ وعظيمَ قدْرِهِ وفضلهِ فقال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ٤﴾ القلم. وقال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧﴾ الأنبياء. وقال سبحانه: ﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٢٨﴾ التوبة
فكيف يجوز بعد هذا أن يُحَرِّمَ أحدٌ مدْحَه ﷺ الذى جاء به الشرع، ويزعُمَ أنه نوع من الغُلُوّ.
يُروَى أن الشيخ عمر بن الفارض السعدىّ (٥٧٦-٦٣٢ هـ) قال [الطويل]:
أرَى كلَّ مدحٍ فى النبىِّ مُقَصِّرَا وإن بَالَغَ المُثْنِى عليهِ وأَكْثَرَا
إذَا اللهُ أَثْنَى فى الكِتابِ المُنَزَّلِ عليهِ فما مِقْدَارُ ما تَمْدَحُ الوَرَى
أيها الأحباب رُوِى عن سفيانَ الثورىِّ رضِىَ الله عنه (٩٧-١٦١هـ) أنه قال:
”رأيت رجلًا فى البادية لا يرفع قدما ولا يضع أخرى إلا وهو يصلِّى على النبىِّ ﷺ. فقلتُ: يا هذا. قد تركتَ التسبيحَ والتهليلَ وأقبلتَ بالصلاة على النبىِّ ﷺ! فهل عندك من هذا شىء؟ قال: من أنت؟ قلت: أنا سفيان الثورىُّ. فقال: لولا أنك غريب فى أهل زمانك ما كشفت عن حالى ولا أطلعتك على سرِّى. ثم قال: خرجتُ أنا ووالدِى حاجَّيْنِ إلى بيت الله الحرام، حتى إذا كنا فى بعض المنازل مرِض والدِى. فقمت لأعالجَه. فبينما أنا عند رأسه مات واسوَدَّ وجهُه. فجرَرْتُ الإزارَ على وجهه. فغلبَتْنى عيناى فنِمت. فإذا أنا برجل لم أر أجملَ منه وجها، ولا أنظفَ منه ثوبا، ولا أطيبَ منه ريحا، يرفع قدمًا ويضع قدمًا أخرى. حتى دنا من والدِى، فكشف الثوبَ عن وجهه. وأمَرَّ بيده على وجهه فعاد وجهُه أبيضَ. ثم ولَّى راجعا. فتعلقتُ بثوبه فقلت له: من أنتَ يرحمُك الله؟ لقد مَنَّ اللهُ بكَ على والدِى فى دار الغربة. فقال: أوَ ما تعْرِفُنِى؟ أنا محمدُ بنُ عبدِ الله. أنا صاحبُ القرءان. أمَّا إنَّ والدَك كان مسرفًا على نفسهِ (يقعُ فى المعاصِى). لكن كان يُكْثِرُ الصلاةَ عَلَىَّ. فلما نزَل به ما نزَل استغاث بِى. فأنا غِياثُ مَن أكثَرَ الصلاة عَلَىَّ. قال: فانتبهتُ من نومِى. فكشفتُ عن وجه أبِى فإذا وجهُه أبيضُ.“ اللهم صلِّ على سيدِنا محمَّدٍ طِبِّ القلوبِ ودوائِها، وعافيةِ الأبدان وشفائِها، ونورِ الأبصار وضِيائِها، وعلى ءاله وصحبه وسلِّم. هذا وأستغفر الله لى ولكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيِّدِنا محمَّدٍ رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومَن والاه. وبعدُ عبادَ الله اتقوا الله.
ثم إنَّا علِمْنا أن الصلاةَ والسلامَ على النبىِّ من العبادات المرموقة المحبوبة. ولا بد من أدائها صحيحة. ويُحزِنُنا بل يَسُوؤُنا أن نسمعَ الكثيرَ وخاصة المتصدرين للتعليم على المنابر والشاشات وغيرِها لا يُحسِنون الإتيان بالصلاة والسلام على النبىّ، فنجدهم:
- يلوكونها بألسنتهم، أو يقولونها باختلاسٍ أو حذفٍ لبعض حروفها.
- أو لا يلفظون الحاءَ صحيحة فى اسم النبىِّ مُحَمَّد.
- أو يقولونها بزيادة الياء إلى صلِّ فى اللهم صلِّ، وبعدمِ التوفيق بين صلَّى وسلَّم، وبين صَلِّ وسلِّم.
- أو يكتبون ص أو صلعم أو SAWS وغيرها من البدع القبيحة المكروهة.
اللهم صلِّ صلاة كاملة وسلِّم سلاما تامًّا على سيدنا محمد. اللهم أكرمنا بزيارته ومجاورته، وشفِّعه فينا، وأَوْرِدْنا حوضَه، وارزقنا شَربةً منه لا نظمأ بعدها أبدًا.
اللَّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ.
الجمعة مسجد عمر ٢٦ صفر ١٤٤١ هـ - ٢٥ ت١ ٢٠١٩ر