الأَنبِياءُ وَالرُّسُلُ
Listen to the Friday Speech in English here: The Prophets and Messengers
الحمد لله باعثِ الرُّسُلِ والنَّبِيِّينَ رحمةً للناسِ بالنور المبين* والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا محمدٍ أشرفِ المرسلين* وعلى ءالِه الطاهِرينَ وصَحابتِه الخِيَرَةِ المُنتَجَبِينَ. وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أرحمُ الراحمين، الأحدُ المُنَزَّهُ عن شَبَهِ المخلوقين. وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا رسولُ رَبِّ العالمينَ وسَيِّدُ ولدِ ءادَمَ أجمعين.
أما بعدُ عبادَ الله، فإنِّى أُوَصِّيكُم ونَفْسِىَ بتقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَزَّ القائلِ: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٨﴾ النحل
ثم إنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ أكرَمَ الإنسانَ وتَفَضَّلَ عليه بنِعَمٍ لا يُحصِيها: فى أحسنِ تقويم خلقَه فسوَّاه فعَدَلَه، فى أحسنِ صورةٍ ما شاء ركَّبه. وزاد فى كرامتِه فوهَبَهُ العَقلَ ومَيَّزَه، ليعرِفَ خالقَه بصفاتِه وفِعلِه، فيعتقدَ أنَّ بارئَه وبارِئَ كُلِّ شَىءٍ واحدٌ لا شريكَ له، قديمٌ لا ابتداءَ له، دائمٌ لا انتهاءَ له، حىٌّ، قديرٌ، عالِمٌ، مُختارٌ، سميعٌ، بصيرٌ، مُتَكَلِّمٌ، لا شبيهَ له؛ ولِيَتَلَقَّى التَّكْليفَ عن ربِّه فيعبُدَه ويعرِفَ نِعمَه، فيقدرَها قدْرَها ويشكرَها، ويُثنِىَ على الله حقَّ قَدْرِه. وأَوجَدَه فى الدنيا حيث شَهَواتُها غَزَّارةٌ ونَوائِبُها كَرَّارةٌ. وابتلاهُ بشيطانٍ يَقعُدُ له صراطَ اللهِ المستقيمَ. وغايتُه أن يُضِلَّه ويُغْوِيَه. وَبِجَمَاع كَيْدِهِ يَجْلِبُ عليه بخَيْلِهِ ورَجِْلِهِ، فيقذفُ على قلبه بالشُّبُهات والشَّهَوات، ويُوَالِيهَا حتى يُصيبَ قلبَه بالأمراض الفتَّاكةِ والعِلَلِ القَتَّالةِ، ليُعْرِضَ عن ربِّه فاطِرِهِ وبارِئِه، ويشتغلَ عنه جَلَّ وَعَزَّ بتلك العلل والأمراض، وزخْرُفِ الدنيا وما فيها من الشهوات.
إخوةَ الإيمان، إنَّ وقايةَ القلوب من تلك الأمراض وطِبَّها من تلك العلل إنما يكون بإرشاد خالِقِها العالِمِ بها. ولا سبيل إلى حصول السلامة والعافية إلا من طريق الرسل ومن جهتهم، صلواتُ الله وسلامه عليهم. فإن صلاحَ القلوب هو بأن تكونَ القلوبُ عارفةً بربِّها، بأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه وأحكامِه، وأن تكونَ مُؤْثِرَةً لمرضاته جَلَّ وَعَزَّ ولِمَحَآبِّه، مجتنبةً لمناهيه ومساخِطِه. ولا سبيلَ إلى تَلَقِّى هذا، ومعرفةِ ما يُرضِى اللهَ وما يُسخِطُه، وما يُنجِى فى الآخرة مما يُهلِك إلا من جهة الرسل المُبَلِّغين عن الله. إذ ليس فى العقل ما يُستَغنَى به عنهم، فإنَّ العقل لا يُدركُ ذلك استقلالًا. فكانت حاجةُ الخلْق إلى الأنبياء والرسلِ حاجةً ضروريةً. فأتمَّ اللهُ نعمتَه على الخلق بأن تفضَّلَ عليهم بإرسال الرسل والأنبياء مُبَيِّنِينَ السبيلَ لما فيه عافيتُهم وسلامتُهم وسعادتُهم وفلاحُهم فى الدنيا والآخرة.
فالأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام هم صفوةُ الخلق. اختارهم الله جَلَّ وَعَزَّ على عِلمٍ وفضَّلهم على العالمين. فَهُم عليهم الصلاة والسلام أعلمُ الناسِ، وأَتقَى الناسِ، وأَبَرُّ الناسِ، وأَحلَمُ الناسِ، وأَصبَرُ الناسِ، وأَرحَمُ الناسِ، وأَحسَنُ الناسِ. اختصَّهُم اللهُ بالنُّبُوَّةِ فضلًا منه ورحمةً، لا كَسْبًا منهم واستحقاقًا. فإن ربَّنا جَلَّ وَعَزَّ يختَصُّ برحمتِه من يشاء، ولا يجب عليه شىءٌ سبحانه. بل اللهُ تعالى حَفِظَهم عمَّا لا يليقُ بمنصِبِ مَن يتَلَقَّى مثلَ هذه الأمانةِ. فهداهُم للخَيراتِ، وعَصَمَهُم من المُنَقِّصات. فهم الأَئِمَّةُ والقُدْوَةُ. قال اللهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ ٧٣﴾ الأنبياء.
والنَّبِىُّ -إخوةَ الإيمان- هو رجلٌ أَوحَى اللهُ إليه باتِّباعِ شرعٍ أى جُملةِ أحكامٍ وأُمِرَ بتبليغِه قومَه. وأما النَّبِىُّ الرَّسولُ فهو نَبِىٌّ أوحَى اللهُ إليه بشرعٍ جديدٍ وأُمِرَ بتبليغ قومِه ذلك. فكلُّ رسولٍ نَبِىٌّ وليس كلُّ نَبِىٍّ رَسولًا. فكلٌّ من الأنبياءِ الرسلِ والأنبياءِ غيرِ الرسلِ أُمِرَ بتبليغ قومِه ما أُوحِىَ إليه. فقد قال الله جَلَّ وَعَزَّ: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ….. ٢١٣﴾ البقرة. فكلُّ الأنبياءِ بُعِثُوا إلى أقوامِهم لِيُعلِّمُوهم أمورَ دينِهم، وبَشَّرُوا مَن ءامَن باللهِ ورسولهِ وعمِلَ صالحًا بالجنَّة، وأَنذَروا مُكَذِّبَهُم بالنَّار. وأمَّا ما يقوله بعضُ الناس من أن النَّبِىَّ غيرَ الرسولِ لم يُؤْمَرْ بالتبليغِ فغيرُ صحيح. فإنَّ مِن أَخَصِّ صفاتِ الأنبياءِ التبليغَ، وإنْ أُوذُوا وَحُورِبُوا، كما قال أئمةُ أهلِ العلمِ. أقول قولِىَ هذا وأَستغفرُ اللهَ لى ولكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمدٍ وعلى ءاله وصحبِه وحِزبِه. وبعدُ عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ.
ثم اعلموا إخوةَ الإيمان أنَّ كلَّ الأنبياءِ مِن ءادمَ أوَّلِهِم حتى ءاخِرِهِم محمَّدٍ، عليهم الصلاةُ والسلامُ، كانوا مسلمين، ودعَوْا أقوامَهم إلى الإسلام بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِى ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥﴾ ءال عمران. أى كلُّ مَن دَانَ بغيرِ الإسلام أى اتَّخَذَ غيرَ الإسلام دينًا له فلن يُقبلَ منه وهو خاسرٌ يومَ القيامة.
فسيدنا نوح عليه السلام كان مسلمًا ودعا إلى الإسلام. وسيدنا إبراهيمُ عليه السلام كان مسلمًا ودعا إلى الإسلام. وسيدنا يعقوبُ عليه السلام كان مسلمًا ودعا بَنِيهِ وقومَه إلى الإسلام. وسيدنا موسَىٰ عليه السلام كان مسلمًا ودعا قومَه إلى الإسلام. وسيدنا عيسَىٰ عليه السلام كان مسلمًا ودعا قومَه إلى الإسلام.
وأمَّا ما جاء فى القرءان فى سورة الأنعام فى شأن سيدِنا محمدٍ ﷺ: ﴿قُلۡ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢ لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ١٦٣﴾ أى فى وقتِ بِعثَتِه. فإنَّه لم يكن على الأرض مختَلِطًا بالناس فى ذلك الوقت مسلمٌ غيرُهُ ﷺ. وقد قال النبىُّ ﷺ فى ما رواه الحاكِمُ فى المستدرَك: "الأنبياءُ إخوةٌ لِعَلَّاتٍ: أُمَّهاتُهم شَتَّى ودينُهم واحدٌ." أى وهو الإسلام. فالإيمانُ بالأنبياءِ جميعِهم وتعظيمُهم كلَّهم واجبٌ، وعكسُه كفرٌ.
اللهم احشُرْنَا مَعَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ. اللهم اغفِرْ للمؤمنين والمؤمنات.
الجمعة مسجد عمر ١٨ شوال ١٤٤٠ هـ - ٢١ حزيران ٢٠١٩ر