Sunday, 06 October 2024
A+ R A-

الرؤية لله تعالى فى الاخرة

Listen to the Friday Speech in English here: Seeing Allah in the Hereafter

إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِىَ له. والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه.

أما بعد فيا عبادَ الله، أُوَصِّى نفسىَ وإيَّاكم بتقوى الله العلىِّ العظيمِ القائلِ فى القرءان الحكيم:

﴿وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٢٥ لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٢٦﴾ يونس

أما قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٢٥﴾، فمعناه إنَّ الله لا يدعوكم إلى جمع الدنيا بل يدعوكم إلى الطاعة لتصيروا إلى دار السلام، أى إلى الجنة. الله يدعوكم إلى دار السلام أى دار السلامة من الآفات. شَرْعُ الله تعالى يدلُّكم على سبيل الوصول إلى دار السلام، وهى الجنة التى أعدَّها الله لأوليائه. واللهُ يهدِى من يشاء من خلْقه فيوفقُه لإصابة الطريق المستقيم الذى جعله الله سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لمن سلك فيه إلى جِنانه وكرامته.

إخوةَ الإيمان، إنَّ الفوزَ الحقيقىَّ هو الفوزُ فى الآخرة. والسعيدُ من فاز هناك. والطريقُ إلى ذلك هو التقوَى، أى أداءُ الطاعات واجتناب المنكرات. فمن أحسن فى هذه الدنيا فله الحسنى وزيادةٌ، كما قال عزَّ مِن قائل: ﴿لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٢٦﴾ يونس أى الذين أحسنوا بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الأعمال والكفّ عما نهاهم عنه من المعاصى وعدهم الله بالحسنى وهى الجنة. وأما الزيادة فهى نعيم زائد يحصلون عليه وهم فى الجنة، وهو رؤية الله تعالى بلا تشبيه. يرونه لا كما يرى المخلوق، يرونه بلا كيف ولا مكان ولا جهة، لأنه ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ﴾ الشورى. فالله ليس جسمًا ولا يُشبه الأجسام. لا تدركه الأفهام ولا تبلغه الأوهام ولا يشبه الأنام. مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك أى لا يشبه ذلك. لا يشبه الإنس ولا الجنَّ ولا السماءَ ولا الأرضَ ولا الهواءَ ولا النارَ.

إخوة الإيمان، رؤيةُ الله هى أعظم نعيم أهل الجنة. فليس شىء أحبَّ إلى أهل الجنة من رؤية الله. وقد ورد أن بعضهم يرَون اللهَ فى الأسبوع مرة. وبعضهم يرونه سبحانه كل يوم مرتين. كل بحسب درجته وعلوّ مقامه عند الله، لأن نعيم أهل الجنة متفاوتٌ. وذلك على حسب ما قدَّم الشخص من الأعمال.

وأنكر المعتزلة رؤيةَ المؤمنين لله يوم القيامة وقالوا: إنما يُرَى الجسمُ. قال أهل الحق: ليست الجسميةُ شرطًا للرؤية. إنما شرطُ الرؤية الوجودُ. ومن أدلة أهل الحقِّ أن الأعراضَ تُرى (الألوان) وليست أجساما. والمشترك بين الجسم والعَرَضِ هو الوجود فقط. فشرط الرؤية الوجودُ. والله موجود فصحَّ أن يُرَى.

وهذه الرؤية للمؤمنين بعد دخولهم الجنة ثابتة فى الشرع، مجمع عليها بين أهل السنة والجماعة. فلا يجوز نَفْيُها.

ويدل على ذلك قول الله تعالى: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ ٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ ٢﴾ القيامة. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم فى صحيحه: "إنَّكم سَتَرَوْنَ رَبَّكم يومَ القيامة كما تَرَوْنَ القمَرَ ليلةَ البدرِ لا تَضامُّون فى رؤيته." أى لا تتزاحمون فى رؤيته. والحديث ورد أيضا بلفظ: "لا تُضامُون" أى لا يصيبكم ضررٌ ولا ضَيمٌ (مشقَّةٌ وتعب). وذلك لأن رؤية الله لا تكون بالمقابلة والمواجهة. إنما الله يكشف الحجاب عن أبصار المؤمنين أى يعطى المؤمنين فى أبصارهم قوة يرون بها اللهَ بلا جهة ولا مكان، كما نَبَّهَ على ذلك الإمامُ أبو حنيفة رضى الله عنه. فإنه قال: "ولقاءُ الله لأهل الجنة (أى رؤيتُهم لله) بلا جهة ولا تشبيه ولا كيفٍ حقٌّ." وليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربَّكم يوم القيامة كما ترون القمر" أن الله سبحانه يشبه القمر. حاشا وكلا. إنما النبىُّ صلى الله عليه وسلم شبَّه رؤيتَنا لله من حيثُ عدمُ الشك برؤية القمر ليلة البدر. ولم يشبِّهِ اللهَ تعالى بالقمر. فكما أن مبصِرَ القمر ليلةَ البدر ليس دونه سحاب لا يَشُكُّ أن الذى رءاه هو القمر، كذلك المؤمنون عندما يرون اللهَ تعالى يرونه رؤيةً لا يكون عليهم فيها اشتباهٌ. فلا يشكُّون هل الذى رأوه هو الله أو غيرُه، لأنهم يرون مَن ليس كمثله شىء. هذا معنى الحديث. وليس الأمر كما قد يتوهَّم بعضُ الجهال ممن لم يتعلم علم التوحيد عند سماع هذا الحديث فيعتقد أن الله يشبه القمر. وذلك كُفرٌ بالله تعالى، لأنه تكذيب لقوله تعالى ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ﴾ الشورى.

إخوةَ الإيمان، هذا التفسير الذى ذكرناه نصَّ عليه علماءُ أهلِ السنة والجماعة. وهو يُفْهَمُ من رواية البخارىِّ لهذا الحديث. ففيه أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ هَلْ تُمَارُونَ (تشكُّون) فِى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ." قال ابنُ حجرٍ العسقَلانِىُّ فى فتح البارِى: قَوْله (تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ) الْمُرَاد تَشْبِيهُ الرُّؤْيَة بِالرُّؤْيَةِ فِى الْوُضُوح وَزَوَالِ الشَّكّ وَرَفْع الْمَشَقَّة وَالاخْتِلاف. وَقَالَ الْبَيْهَقِىُّ: سَمِعْت الشَّيْخَ أَبَا الطَّيِّب الصُّعْلُوكِى يَقُول: " تَضَامُّونَ " بِتَشْدِيد الْمِيم، يُرِيد لا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ فِى جِهَةٍ، وَلا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ. فَإِنَّهُ -أى اللهَ- لا يُرَى فِى جِهَة." اﻫ فرؤيتُنا لله تعالى ليست كرؤية المخلوقات فى جهة أمامٍ أو خلفٍ أو فوق أو تحت أو يمين أو شمال. بل يراه المؤمنون من غير أن يكون سبحانه فى جهة واحدة، ومن غير أن يكون فى كلِّ الجهات، لأن الجهاتِ كلَّها مخلوقةٌ. خلقها الله وكان قبلها بلا جهة. والأماكنُ كلُّها مخلوقةٌ خلقها الله وكان قبلها بلا مكان. وهو بعد خلق الجهات والأماكن لا يتغير، موجودٌ بلا جهة ولا مكان.

وأستغفر الله لى ولكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمدٍ وعلى ءاله وصحبِه وحِزبِه. وبعدُ عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ.

ثم اعلم أن رؤية الله تعالى فى الدنيا بالبصر لم تقع لأحد من خلقه. وأما فى الآخرة فواقعة باتفاق أهل الحق، ولا يحيل العقل ذلك. فالمؤمنون يرون الله فى الآخرة ولا يرونه فى الدنيا بأعينهم. أما الكفار فمحرومون من رؤيته جَلَّ وَعَزَّ فى الدنيا والآخرة لقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ ١٥﴾ المطففين.

نسأل اللهَ تعالى أن يوفقَنا إلى صالح الأعمال، ويُدخلَنا الفردوسَ الأعلى برحمته، ويكرمَنا برؤية ذاته الكريم لنَنعمَ بذلك مع المتنعِّمين. اللهم اغفِرْ للمؤمنين والمؤمنات.

الجمعة فلادلفيا ٢٥ شوال ١٤٤٠ هـ - ٢٨ حزيران ٢٠١٩ر

Loading...

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation