التحذير من الكذب وعادة أول نيسان
Listen to the Friday Speech in English here: Warning against Lying, Including April’s Fool
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. مَن يهدِ الله فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هادىَ له. وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ ولا شبيه له، وأشهدُ أنّ سيّدنا محمَّدًا عبدُه ورسوله. عَلَّمَ الأمة ما ينفعها وحذَّرَ مِمّا يضرها فى دينها ودنياها. فَصَلِّ اللهُمَّ على سيّدنا محمّد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعدُ عبادَ الله، فإنى أوصِّى نفسى وإياكم بتقوى اللهِ العلىِّ العظيم، والعملِ بشريعتِهِ، والاستِنَانِ بِسُنَّةِ نبيِّهِ ﷺ. واعلموا أن الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩﴾ التوبة.
إخوةَ الإيمان، إنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى قد أمرنا بفعل الخير ونهانا عنِ الشرّ. وكذا رسولُه الكريمُ. فقد أَرْسَلَهُ ربنا مُعَلّمًا النَّاسَ الخيرَ داعيًا لهم إلى مَكَارِمِ الأَخلاقِ ومحاسِنِها، كما قالَ عليه الصلاةُ والسَّلام: إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخلاق. (السنن الكبرى للبيهقىّ).
وإنَّ مِنْ عَظيمِ الصِّفَاتِ التى أمرَ اللهُ تعالى بها وحثَّ عليها رسولُ الله ﷺ الصِّدقَ. ومِن أَخْبَثِ الصِّفَاتِ التى نَهَى عَنْهَا الشَّرعُ الكَذِبُ. فقد روى الإمامُ مسلمٌ فى صَحيحِهِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضى الله عنه أنه قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: عليكم بالصِّدقِ، فإنَّ الصِّدقَ يَهدِى إلى البِرِّ. وإنَّ البِرَّ يَهدِى إلى الجَنة. وما يَزَالُ الرجلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدّيقًا. وإيَّاكم والكَذِبَ، فإنَّ الكذِبَ يَهدِى إلى الفُجورِ. وإنَّ الفجورَ يهدِى إلى النَّارِ. وما يزالُ الرجلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حتى يُكْتَبَ عِندَ اللهِ كَذَّابًا.
معنى هذا الحديث إخوة الإيمان أنَّ الصدقَ يهدى إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم ويوصل إلى الجنة، وأن الكذبَ يوصل إلى الفجور وهو الميلُ عن الاستقامة والانبعاثُ فى المعاصى الموصلُ إلى النار. ففى هذا الحديث الحثُّ على تَحَرِّى الصدق، وهو قصدُه والاعتناءُ به؛ وعلى التحذير من الكذب والتساهُلِ فيه، فإنّه إذا تساهَلَ فيه كَثُرَ مِنهُ فعُرِفَ به. وأمّا قولُهُ ﷺ: حتى يُكتَبَ عند الله صِدِّيقًا وقولُهُ: حتى يُكتَبَ عند الله كَذَّابًا فمعناه أنّه يُحْكَمُ له بذلك. ويستحقُّ الوصفَ بمنزلة الصدّيقين وثوابِهم أو صفةِ الكذّابين وعقابِهم. والمرادُ إظهارُ ذلك للمخلوقين. إمّا بأن يشتهر بحظّه من الصفتين فى الملإِ الأعلى أى الملائكة، وإمّا بأنْ يُلقَى ذلك فى قلوب الناس وألسنتهم ويوضَعَ له القَبولُ أو البغضاءُ. فإن الكذبَ إذا تكرَّرَ أصبحَ عادةً يَصْعُبُ الخلاصُ منها. وعندَها يُكتبُ الإنسانُ كذّابًا. نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلنَا معَ الصَّادِقِين.
والكَذِبُ إخوةَ الإيمانِ، وهو مَا نُريدُ بَسْطَ الكَلامِ فيه، هُوَ الكلامُ بخلافِ الواقع مع العلم بأنّه بخلافِ الواقِعِ. ومنه ما يكونُ منَ الصغائرِ، ومنه ما هو منَ الكبائرِ، ومنه ما يكونُ كفرًا والعياذُ باللهِ تعالى. فإنْ كانَ الكذِبُ لا ضررَ فيه لمسلمٍ فهو مِنَ الصغائر. لكن احذر أخى المسلم فإنّ الصغيرةَ لا يُتَهَاوَنُ بها، لأنَّ الجبالَ مِنَ الحصَى. فقد رَوَى أَحْمَدُ وَالطََّبَرَانِىُّ أَنَّهُ ﷺ قال: إِيَّاكُمْ وَمُحَقََّرَاتِ الذُّنُوبِ. فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ. فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى حَمَلُوا مَا أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُم. وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ. والمراد بالْمُحَقَّرَاتِ الصَّغَائِرُ. ودلّ الحديث الشريف على أنَّ الصَّغَائِرَ أَسْبَابٌ يُؤَدِّى الإصرارُ عليها والإكثارُ منها إِلى ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ. فَكَمْ مِنْ صَغِيرَةٍ يَحْقِرُهَا فَاعِلُهَا فَيَفْعَلُهَا فَتَسُوقُهُ إِلى كَبِيرَةٍ. وقد تسوقه إلى الكفر. ولذا قال بعضُ السلف: "المعاصِى بريدُ الكُفر، كما أنَّ الحُمَّى بريدُ الموت." (شعب الإيمان للبيهقى). عافانا اللهُ تعالى من الشُّرور.
وأما إن كانَ الكذبُ فيهِ ضررٌ يَلحَقُ مسلمًا فهو مِن كبائرِ الذُّنوبِ والعياذُ بالله تعالى. وَمِنَ الكَذِبِ القَبيحِ الكذِبُ على رسولِ الله ﷺ. وقد قالَ عليه الصلاةُ والسَّلام: مَن كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار. (رواه الشيخان).
فإذا كانَ فى هذا الكذِبِ تحليلُ مُحرَّمٍ بالإجماعِ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّيْنِ بالضَّرُورَةِ مما لا يَخْفَى عليه كالزِّنَى واللواطِ وَالقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ والغَصْبِ، أو تحريمُ حَلالٍ ظَاهِرٍ كذلك كالبيعِ والنِّكاحِ فهو كفرٌ والعياذُ بالله تعالى. كما يَفْتَرِى بَعْضُ الناس لِيُضْحِكَ غيرَه فيقول: قال الله تعالى: "إذا رأيتَ الأَعْمَى فَكُبَّهُ على وَجْهِهِ، إِنَّكَ لستَ أَكْرَمَ مِنْ رَبِّهِ." فيجعل هذا الكلامَ السخيفَ قرءانًا. فهذا كفرٌ والعياذُ بالله مِنْ ذلك.
ونحذّرُكُم مِن قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ: "الكَذِبُ مِلْحُ الرِّجال" وقولِ بعضٍ "وَعَيْب على اللى بِيُصْدُق" فإنهما تكذيبٌ للدين مُخرجان من الإسلام، لأن الأول فيه استحسان لما هو معلوم بين المسلمين قُبْحُهُ فى الدين، وفى الثانى استقباحٌ لما هو معلوم حُسْنُهُ فى الدين. فكلاهما يلزم منه تكذيبُ الدين والعياذ بالله تعالى.
واعلَمُوا إِخوةَ الإيمانِ أنَّ الكذِبَ حرامٌ سواءٌ قالَه الشخصُ مازِحًا أم جادًّا، وسواءٌ أرادَ به أن يُضحِكَ القومَ أم لا. فقد قال عليه الصلاة والسلام: وَيْلٌ لِلَّذِى يُحَدّثُ القَوْمَ ثمَّ يَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُم. وَيْلٌ لَهُ، ووَيْلٌ لَهُ. (رواه أحمد فى مسنده). أى أنّ هذا كبيرةٌ يستحق فاعلها العذابَ الشديد فى الآخرة.
فالكَذِبُ أيها الأحبة كما روى سعيد بن منصور فى سننه عن ابن مسعود رَضِىَ اللهُ عَنْه أنه قال: لا يَصْلُحُ فى جِدّ ولا فى هَزْلٍ. أى مَزْحٍ. ولو كانَ المقصِدُ إِضحاكَ الحاضرين، ولو لم يَكُنْ فيهِ إيذاءٌ للنَّاسِ فهو حرام. وقد قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: إِنِّى لأَمْزَحُ وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا. (رواه الطبرانى فى المعجم الكبير). فَأَخْبَرَ رسولُ اللهِ ﷺ فى حَدِيْثِهِ هذا أنَّه يمزَحُ أحيانًا لحكمة. ولكِنْ لا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، أى أنَّه ﷺ لا يَكْذِبُ.
فَاحذَرُوا مِنَ الكَذِبِ إخوةَ الإيمان وحَذِّرُوا مِنْه فإنَّهُ إذا استحكَم من الشخص صار عادَةً خبيثةً دالَّةً على خُبْثِ طَبْعِ صاحِبِها. فاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا معَ الصَّادِقين. اللهمّ احْفَظْنَا مِنَ الكذِبِ وسائر المحرمات يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين.
هذَا وأستَغفِرُ اللهَ لى ولكم
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله، وعلى كل رسول أرسله وعلى ءاله وصحبه. أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنى أوَصِّيكُمْ ونفسى بتقوى اللهِ.
ثم ممّا ينبغى أن يُحَذَّرَ منه إخوةَ الإيمانِ ما يُسمِّيهِ بعضُ الناسِ كَذْبَةَ أوّلِ نَيسان. فالكَذِبُ حرامٌ فى أولِ نيسان وفى غَيرِه. ويحصُلُ فيه وفى كثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَرويعٌ للمسلمِ. فيقولُ له الكاذبُ مَثلًا: إنَّ ابنَكَ ماتَ، أو حَصَلَ مَعَ زَوجَتِكَ كذا وكذا. فيُخِيفُهُ وَيُرَوِّعُهُ والعياذُ بالله تعالى. وترويعُ المسلم حرامٌ. ففى مسند أحمدَ أن رسول الله ﷺ قال: لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يُرَوِّعَ مسلمًا. قاله لمَّا روَّع بعضُ الناس رجلًا من أصحابه عليه السلام مِزاحًا بأخذ حَبْلٍ منه وهو نائم.
اللَّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ.
خطبة الجمعة مسجد عمر ٦ شعبان ١٤٤٢ هـ - ١٩ ءاذار ٢٠٢١ر