قِصَّةُ أَصْحَابِ الْبُسْتانِ
الحمدُ للهِ ثم الحمدُ لله الحمدُ لله الواحدِ الأحدِ الفَردِ الصمد الذي لم يَلِد ولم يُولد ولم يكن له كُفُوًا أحد. أَحمدُهُ تعالى وأستهدِيه وأشكُرُه وأتوبُ إليهِ وأَستَغفِرُهُ وأعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا من يهدِهِ اللهُ فهو المهتد ومن يُضلِل فلن تجدَ لهُ وليًا مرشِدًا والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سَيدِنَا محمد سيدِ ولدِ عدنان أرسَلَهُ اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللهِ بإذنِهِ سراجًا وهاجًا وقمرًا منيرًا فهدى اللهُ بِه الأمة وكشَفَ بِهِ عنها الغمة وبلغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ وَنَصَحَ الأمة فجزاهُ الله عنا خيرَ ما جَزى نبيًا مِن أَنبيائِهِ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريك له وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبده ورسولُهُ وصَفِيُهُ وخَلِيلُه صلى الله عليه وعلى كل رسولٍ أرسلَه. أما بعدُ أيها الأحبةُ المُؤمنون أوصِي نفسي وإياكم بتقوى اللهِ العظيم والثباتِ على هذا الدّينِ القَويم يقولُ اللهُ تعالَى فِي القرءانِ الكريمِ: ﴿ولا يحسبَنَّ الذينَ يبخلُونَ بما ءاتاهُمُ اللهُ من فضلِه هو خيرًا لهم بلْ هوَ شرٌّ لهمْ سيُطَوَّقونَ ما بَخِلوا بهِ يومَ القيامةِ وللهِ ميراثُ السمواتِ والأرضِ واللهُ بما تعملونَ خبِير﴾. سورةُ ءَال عمْرانَ/ءايَة 180.
إخوةَ الإيمان، لقد ذكرَ اللهُ تعالى في القرءان الكريمِ في سورةِ القلمِ شيئًا من قصةِ أصحابِ الجنةِ أي البستانِ الذين لم يُؤدُّوا حقَّ اللهِ تعالى فيهِ فحرَمَهُمْ منه عقابًا على نيتِهم الخبيثةِ. قالَ اللهُ تعالى: ﴿إنَّا بلَوْناهم كما بلَوْنا أصحابَ الجنةِ إِذْ أقسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصبِحِين﴾ سورةُ القلَم/ءايَة 17.
ذكرَ أهلُ التفسيرِ أن رجلاً كانَ بناحيةِ اليمنِ لهُ بستانٌ وكانَ مؤمنًا وذلكَ بعدَ سيدِنا عيسى ابنِ مريمَ عليهِ السلامُ وكانَ يجعلُ عندَ الحصادِ نصيبًا للفقراءِ والمساكينِ وكانَ يقولُ: "هذا المالُ مالُ اللهِ مكَّنَني فيهِ وأمرَنِي أن أُخرِجَ منه حقوقًا زكاةً للفقراءِ والمساكين"، فكلُّ واحدٍ منكم أيها الإخوةُ المؤمنونَ منَّ اللهُ عليه ووَسَّعَ عليه في رزقِه فليتذَكَّرِ الفقراءَ والمساكينَ ولا سيما الأرحام منهم بالإحسانِ إليهم، فهذا الرجلُ الصالحُ اللهُ تعالىأعطاهُ فشكَرَ اللهَ ولكن بعد موتِه بعضُ أولادِه عزَموا على حِرمانِ المساكينِ وتحالَفوا فيما بينهم يومًا واتَّفقوا سرًّا أن يقوموا أولَ الصبحِ قبلَ أن يستيقظَ الناسُ فيأتوا إلى بستانِهم ويقطُفوا ثمارَهم ويحصُدوا زرعَهم ويقتَسِموه فيما بينَهم فلا يبقى شىءٌ للفقراءِ. فباللهِ عليكم أليسَ هذا بحالِ كثيرٍ من الأغنياءِ اليوم تعلقَتْ قلوبُهم بهذه الدنيا الزائلةِ الفانيةِ وقستْ قلوبُهم؟. فلذلك أخي المسلم اعتبِر بمن قبلَك فلو دامَت لغيرِك ما وصلَت إليك. فعندَ زيارتِكُم للقبورِ تذكَّرْ أنكَ لابدَّ راحلٌ واعمَلْ لقبرِكَ واعمَلْ لآخرَتِك.
يـا مَنْ بدُنيَاه اشتغَــل وغــرَّه طـولُ الأمَـل
الموتُ يأتِـي بغتـــةً والقبـرُ صُندوقُ العمَـل
هؤلاءِ الأبناءُ أرادوا أن يمنعُوا حقَّ اللهِ تعالى في مالِهم وكانَ اللهُ تعالى عالمًا بما يَكيدونَه وما اتَّفقوا عليه فأرسلَ سيدَنا جبريلَ عليه السلامُ ليلاً ببلاءٍ شديدٍ. قالَ تعالى: ﴿فطافَ عليها طائِفٌ من ربِّكَ وهم نائِمون. فأصبحَتْ كالصَّريم﴾ سورةُ القلَم/ءايَة 19-20.
فصارت جنتُهم أي بستانُهم كالليلِ الأسودِ بسببِ احتراقِ البستانِ، وطلعَ عليهِمُ النهارُ وهم على مشارفِ بستانِهم يتساءلونَ أهذا بستانُنا وقد تركناهُ بالأمسِ مُورِقًا بأشجارِه وافِرًا بثمارِه؟ ما نَظُنُّ هذا بستانَنا وإنَّنا ضالُّون عنهُ. قال أوسطُهم وكانَ طيِّبًا كأبيهِ: بل هي جنَّتُكُم حُرِمْتُم منها قبلَ أن يُحرَمَ الفقيرُ منها وجُوزِيتُم على بُخلِكم وشُحِّكم، فأقبلَ بعضُهم يلومُ البعضَ الآخرَ، فالأولُ يقولُ أنتَ أشَرْتَ علينا بمنعِ المساكين، ويقولُ الآخرُ بل أنتَ زيَّنتَ لنا حِرمانَهم، فيجيبُهم أحدُهم أنتَ خوَّفْتَنا الفقرَ، ويقولُ ءاخرُهم: بل أنتَ الذي رغَّبْتَنا بجمعِ المالِ. ثم قالوا: ﴿يا ويلَنا إنَّا كنَّا طاغِين﴾ أي عَصَيْنا ربَّنا بمنعِ الزكاة. ثم رجَوا انتظارَ الفرجِ في أن يُبَدِّلَهُمُ اللهُ خيرًا من تلكَ الجنةِ أي البستانِ فقالوا ﴿عسَى ربُّنا أنْ يبدِلَنا خيرًا منها إنا إِلى ربِّنا راغِبون﴾. فأدركَهُمُ اللهُ تعالى برحمتِه عندما أظْهرُوا استعدادَهُم للتوبةِ وأمرَ جبريلَ عليهِ السَّلام أنْ يقتلِعَ بستانَهم المحروقَ ويجعلَه في مكانٍ بعيدٍ وأن يأخُذَ من أرضِ الشامِ بستانًا عامرًا ويجعلَه مكانَ الأولِ فكانتِ البركةُ فيهِ ظاهرةً وعادوا إلى ما كانَ والدُهم لا يمنعونَ فقيرًا ولا مسكينًا يُطهِّرونَ أموالَهم وأنفسَهم بما يُرضِي اللهَ عز وجل.
إخواني، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿ولعذابُ الآخرةِ أكبر﴾. سورةُ الزمَر/ءايَة 26. عقوبةُ الآخرةِ لمن عصى ربَّه وكفرَ بهِ أكبرُ يومَ القيامةِ من عقوبةِ الدنيا وعذابِها فليعتَبِرْ كلُّ واحدٍ منَّا وليُقْبِلْ بِهمَّةٍ عاليةٍ في هذهِ الأيامِ إلى طاعةِ اللهِ مولاهُ وتذكَّروا حديثَ رسولِ اللهِ محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "أطعِمِ الطعامَ وصِلِ الأرحامَ وصَلِّ بالليلِ والناسُ نيامٌ تدخُلِ الجنةَ بسلامٍ". هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفُوا أحد. والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا أحمد صلى الله عليه وعلى جميعِ إخوانِه الأنبياء والمرسلين، أما بعد عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ في السرِّ والعلنِ، واعلموا بأن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال: ﴿إِنَّ الله وملائكتَه يصلونَ علَى النَّبي يَا أيهَا الذِين ءَامَنوا صَلُّوا علَيه وسلِّموا تسلِيما﴾ اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم يا ربنا إنا دعوناكَ فاستجِبْ لنا دعاءَنا فاغفِرِ اللهمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا وكفِّرْ عنا سيئاتِنا وتولَّنا برحمتِك يا أرحمَ الراحمين، واغفر اللهمَّ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأموات إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى وينهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبغيِ يعِظُكم لعلكم تذَكَّرون اذكروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكم واشكروهُ يزِدْكم واستغفِروهُ يغفِرْ لكم واتقوهُ يجعلْ لكم من أمرِكم مخرجًا.