الرضَا والتسليمُ بِقَضَاءِ اللهِ تعالَى
إنَّ الحمْدَ للهِ نحمَدُهُ ونستَعِينُهُ ونستَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونَستغْفِرُهُ ونَتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ. وأشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ الواحِدُ الأحَدُ الفَرْدُ الصَّمَدُ الذي لم يتَّخِذْ صَاحبَةً ولا وَلَدًا، جَلَّ رَبِّي لا يُشبِهُ شَيئًا ولا يُشبِهُهُ شىءٌ ولا يحُلُّ في شىءٍ ولا يَنحَلُّ منهُ شَىءٌ، جَلَّ رَبِّي تَنَزَّهَ عَنِ الأَيْنِ والكَيْفِ والشَّكْلِ والصُّورَةِ والحدِّ والجِهَةِ والمكَانِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وهوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. وأشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنا وحَبيبَنا وعَظيمَنَا وقَائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبيبُهُ. الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ الذي عَلَّمَنَا الحضَارةَ وأرْشَدَنا إِلى مَا فِيهِ خَيرُنا وصَلاحُنا ونَجَاحُنا في الدُّنيا والآخِرَةِ.
أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القديرِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتابِه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ سورة الحشْر/18.
يقولُ اللهُ تبارَكَ وتعالَى في القُرءَانِ الكَريمِ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنْسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونَ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِين﴾ (سورة الذاريات/ 56-57-58) .
فإذا سُئلتَ لِمَ خَلقَنَا اللهُ؟ فَلْيَكُنْ جَوابُكَ مُسْتَمَدًّا مِنْ هَذِهِ الآيَةِ القُرءَانِيَّةِ: لَقَدْ خَلَقَنَا اللهُ لِيَأْمُرَنَا بِعِبَادَتِهِ. فَنَحْنُ مُكَلَّفُونَ مَأْمُورونَ بِعِبَادَةِ اللهِ وَطَاعَتِهِ وذلكَ بِأَنْ نَلْتَزِمَ الحُدُودَ الشَّرْعِيَّةَ فَلا نَتَعَدَّاها بَلْ نُؤَدِّي الوَاجِبَاتِ وَنَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَإِذَا سُئِلْتَ لِمَ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ علَى الإِيمانِ ؟ فَجَوابُكَ أَيْضًا مُسْتَمَدٌّ مِنَ القُرْءَانِ الكَرِيمِ، قَالَ تَعالَى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ سُورَةُ السَّجْدَةِ/13.
فَاللهُ سُبْحَانَهُ وتعالَى لَمْ يَشَإِ الإيمانَ لِكُلِّ النَّاسِ. فَالعِبَادُ مُنْسَاقُونَ إلَى فِعْلِ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ لا بِالإِكْرَاهِ وَالْجَبْرِ. وَلَوْ لَمْ يَشَإِ اللهُ عِصْيَانَ العُصَاةِ وَكُفْرَ الكافِرينَ وَطَاعَةَ المطِيعينَ لَمَا خَلَقَ الجَنَّةَ وَالنَّارَ.
وَإِذَا سُئِلْتَ لِمَ جَعَلَ اللهُ مُؤْمِنِينَ مُثَابِينَ مُتَنَعِّمِينَ فِي جَنَّةِ الخُلْدِ وَلِمَ جَعَلَ كُفَّارًا مُخَلَّدِينَ فِي السَّعِيرِ؟ فَلْيَكُنْ جَوَابُكَ أَيضًا مِنَ القُرْءَانِ الكَرِيمِ قَوْلَهُ تعالَى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ وَقَوْلَه تعالَى: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ﴾، وَقُلْ لِلسَّائلِ إِيَّاكَ أَنْ تَذْهَبَ مَذْهَبَ الهالِكِينَ الْمُتَنَطِّعِينَ وَتَكُونَ مِنْ جمَاعَةِ إِبْلِيسَ الْمُعْتَرِضينَ عَلَى اللهِ المطرودينَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ في الآخِرَةِ فَإِنَّ اللهَ عزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿لا يُسألُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ فَالعِبَادُ هُمُ الَّذِينَ يُسْأَلُونَ.
يَقُولُ اللهُ تعالى في القُرْءَانِ الكَرِيمِ: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرينَ﴾ . سورة البقرة/34. اللهُ تعالى أمرَ الملائكةَ أن يسجُدُوا لآدمَ عليهِ السلامُ سُجُودَ تَحِيَّةٍ لا سُجُودَ عِبَادَةٍ، فَسَجدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ الذي كانَ مِنَ الجِنِّ (وَلَمْ يَكُنْ مَلَكًا لأنَّ الملائكةَ لا يَعْتَرِضُونَ على اللهِ) أبَى واسْتَكْبَرَ وَاعْتَرَضَ عَلَى اللهِ فَصَارَ مِنَ الكَافِرينَ الخاسِرِينَ بِاعْتِرَاضِهِ عَلَى اللهِ.
فَلا شَكَّ إِخْوَةَ الإِيمانِ وَالإِسْلامِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَلَى حُكْمِ اللهِ تعالَى خَارِجٌ مِنَ الإِسْلامِ وَهُوَ خَاسِرٌ خَاسِرٌ خَاسِرٌ.
فالحَذرَ الحَذَرَ مِنَ الاعْتِرَاضِ عَلَى رَبِّ العِزَّةِ عِنْدَ نُزُولِ الْمَصَائِبِ وَالبَلايَا فَإِنَّ هذا هَلاكٌ وَضَلالٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ.
إخوةَ الإيمانِ إنَّ الدُّنيا لَوْ كَانَتْ هِيَ دَارَ جَزَاءٍ مَا أُصِيبَ نَبِيٌّ مِنَ الأنبياءِ ، البلاءُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ في الدُّنيا أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ. رَجُلٌ قالَ لرسولِ الله إني أُحِبُّكَ، فَقَالَ له صلى الله عليه وسلم: "انظُرْ مَاذَا تقُولُ" . قَالَ: إنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ: "انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ". قَالَ: إنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ: "انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ فإنَّ البَلاءَ أَسْرَعُ إلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إلَى مُنْتَهَاهُ".
وتذَكَّرْ أخِي المؤمنُ أَنَّ هذِهِ الدنيا دَارُ بَلاءٍ وَعَمَلٍ وَاستِعْدَادٍ لِما بعدَ المَوْتِ، فَإِذَا ابْتُلِيتَ بِمُصِيبَةٍ قُلْ: إِنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُونَ، وَإِيَّاكَ والاعتِرَاضَ علَى اللهِ فَإِنَّ مَنِ اعْتَرَضَ عَلَى اللهِ خَرَجَ عَنْ دِينِ اللهِ والعِيَاذُ بِالله. مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ مِنْ فَقْرٍ وَاعْتَرَضَ عَلَى حُكْمِ اللهِ فإنَّ كُفْرَهُ هَذَا لا يُقَرِّبُ لَهُ رِزْقًا بَعِيدًا. وَمَنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ وَاعْتَرَضَ على حُكْمِ اللهِ فإنَّ مَرَضَهُ لا يزُولُ بِكُفْرِهِ، وَمَنْ مَاتَ لهُ عَزِيزٌ أَوْ قَرِيبٌ وَاعْتَرَضَ عَلَى حُكْمِ اللهِ فَإِنَّ الْمَيِّتَ لا يَعُودُ بِكُفْرِهِ. فيكونُ هَذَا الإِنْسَانُ المعتَرِضُ علَى اللهِ قد أَهْلَكَ نَفْسَهُ وَالعِيَاذُ باللهِ مِنَ الاعتِرَاضِ عَلَى اللهِ وعلى قَضَائِهِ وَحُكْمِهِ.
أمَّا إِذَا إِنْسَانٌ مُسْلِمٌ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ وَقَالَ الحمد ُللهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، للهِ مَا أَعْطَى وَللهِ مَا أخَذَ، إنَّا للهِ وَإِنَّا إليهِ رَاجِعُونَ، لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ، اللهُمَّ لا تَجْعَلْ مُصِيبَتِي في دينِي فَلَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ. قَالَ اللهُ تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ سورة ق/18.
أَيْ أَنَّ كُلَّ ما يَتَلَفَّظُ بِهِ العَبْدُ مِنَ الجِدِّ وَالهَزْلِ وَالغَضَبِ يُسَجِّلُهُ الْمَلَكَانِ فَهَلْ يَسُرُّ العَاقِلُ أن يَرَى في كِتَابِهِ حِينَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ هَذِهِ الكَلِماتِ الخبيثةَ ؟ بل يَسُوؤُه ذلِكَ ويُحْزِنُهُ حِينَ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ ! فَلْيَعْتَنِ بِحِفْظِ لِسَانِهِ مِنَ الكَلامِ بِمَا يَسُوؤُهُ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ. وقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَكْثَرُ خَطَايَا ابْنِ ءادَمَ مِنْ لِسَانِهِ" رواه الطَّبَرَانِيُّ.
ومِمَّا يُسَاعِدُ عَلَى الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ أَنْ يَعْمَلَ الوَاحِدُ بِمَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ رَحِمَةُ اللهِ عليهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا نَظَرَ أحدُكم إلى مَن فُضِّلَ علَيْهِ في المالِ وَالخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ".
فالنبيُ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي المَالِ أَوِ الجِسْمِ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ منهُ أي إلى مَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ.
إِنَّ كَثْرَةَ الدُّخُولِ على الأَغْنِيَاءِ تَزِيدُ النَّفْسَ رَغْبَةً وَتَعَلُّقًا بِالمَالِ وَزَخَارِفِ الدنيا وَمَباهِجِها. وَمَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِحُبِّ الدُّنيا، يَجُرُّهُ هذا إلى مُحَاوَلَةِ جَمْعِ الأَمْوالِ مِنْ غَيرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ الحلالِ والحرامِ ويَصِيرُ هَمُّه تَكْدِيسَ الأموالِ ولَوْ عَنْ طَرِيقِ السَّرِقَةِ أَو الاحتِيالِ غَيْرَ مُبَالٍ بِمَا يَتَرتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَظَالِمَ.
وَرَسُولُ اللهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّنا عَلَى سَبِيلِ الوِقَايَةِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ قُلُوبُنا في حُبِّ الدُّنيا وَقَبْلَ أَنْ تَصِيرَ قَاسِيَةً كَقَسَاوَةِ الحَجَرِ وَقَبْلَ أَنْ تَنْشَغِلَ بِالدُّنيا عَن الاستِعْدَادِ لِلآخِرَةِ وَالتَّزَوُّدِ لَهَا وَذَلِكَ بأَنْ نَنْظُرَ إلى مَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنَّا في أَمْرِ الدُّنْيا. فَإِذَا كَانَ الشَّخصُ يَجِدُ كِفَايَتَهُ فَقَطْ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ لا يَجِدُ كِفَايَتَهُ. وَإِذَا كَانَ يَسْكُنُ بَيْتًا صَغِيرًا فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ لا يَجِدُ مَا يَأْوِي إليهِ، وَإِذَا كَانَ يَلْبَسُ ثَوْبًا رَثًّا فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ لا يَجِدُ ثَوْبًا يَسْتُرُه أَوْ مِنَ البَرْدِ يَقِيهِ، وَإِذَا كَانَ لا يَأْكُلُ اللحمَ إلاَّ قَلِيلاً فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ لا يَجِدُ كِسْرَةَ خُبْزٍ أَوْ شَرْبَةَ مَاءٍ تُرْوِيهِ.
أَيُّها الإِخْوَةُ الأحبابُ، أمَّا فِي أَمْرِ الدِّينِ فَالمَطْلُوبُ مِنَّا أَنْ نَنْظُرَ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَنا، فَلا يَنْبَغِي لِلوَاحِدِ مِنَّا أَنْ يَغْتَرَّ بِنَفْسِهِ وَيَنْظُرَ إليهَا بِعَيْنِ الإِعْجَابِ والتَّعْظِيمِ، وَيَنْسَى نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِ الذِي أَقْدَرَهُ أَيْ أَعْطَاهُ القُدْرَةَ علَى النُّطْقِ والْمَشْيِ والبَصَرِ. وَالمَطْلُوبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْظُرَ إلى مَنْ هُوَ أَكْثَرُ طاعَاتٍ مِنْهُ وَأَكْثَرُ اجْتِهَادًا وَأَكْثَرُ نَشَاطًا وَهِمَّةً كَيْ يَجْتَهِدَ مِثْلَهُ، لأنَّ عُلُوَّ الهِمَّةِ فِي الدِّينِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ.
اللهمَّ لا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِينِنَا وَتَوَفَّنا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ
الخُطبةُ الثانيةُ
التَّحذِيرُ مِنَ الاعتِرَاضِ عَلَى اللهِ
الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ محمّدٍ .
عبادَ اللهِ، أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ فاتقوه.
واعلموا إخوة الإيمان والإسلام أَنَّ المُعْتَرِضَ عَلَى حُكْمِ اللهِ تعالَى خَارِجٌ منَ الإِسلامِ وَلا شَكَّ وَهُوَ خَاسِرٌ خَاسِرٌ خَاسِرٌ. يَقُولُ اللهُ تعالَى: ﴿لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾. سورة الأنبياء/الآية 23.
اللهُ ءامِرٌ نَاهٍ وَلا ءَامِرَ وَلا نَاهِيَ لَهُ، هَؤُلاءِ الذينَ يَنْتَقِدُونَ حُكْمَ اللهِ وَيَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَهْلِ الفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، هَؤُلاءِ كَأَنَّـهُمْ ما عَرَفُوا أَصْلَ خِلْقَتِهِمْ . سَيِّدُنَا عليٌّ رضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: "مَا لابْنِ ءادَمَ وَالفَخْر أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ وَءَاخِرُهُ جِيفَةٌ".
معناهُ لا يَنْبَغِي لابْنِ ءادَمَ أَنْ يَتَرَفَّعَ، اللهُ خَلقَهُ مِنْ تِلْكَ النُّطفَةِ التِي هِيَ قَدْرُ بَزْقَةٍ ثُمَّ يُعيدُهُ إلى التُّرَابِ.
فالحذَرَ الحذرَ منَ الاعتِرَاضِ على رَبِّ العِزَّةِ عندَ نُزُولِ المصَائِبِ والبَلايَا فَإِنَّ هذا هَلاكٌ وَضَلالٌ والعِيَاذُ بِاللهِ.
واسمعُوا معي قِصَّةَ فاطِمَةَ الزُّبَيْريَّةِ التِي كَانَتْ تَقِيَّةً صَالِحَةً حَجَّتْ ثُمَّ زَارَتِ الرسولَ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَوَتِ الإِقَامَةَ في مكّةَ فصارَ لَهَا شُهْرَةٌ بِالتَّقوَى والصَّلاحِ وَالعِلْمِ، ثُمَّ عَمِيَتْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ ذَاتَ ليلَةٍ أرادَتْ أَنْ تَتَوَضَّأَ لِصَلاةِ الليلِ فتَزَحْلَقَتْ عَلَى دَرَجٍ فَانْكَسَرَ ضِلَعَانِ مِنْ أَضْلاعِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ تَكَلَّفَتْ فَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ، لَمْ تَعْتَرِضْ عَلَى الله، لَمْ تَتَسخَّطْ عَلَى اللهِ، لَمْ تَتَخَلَّ عن طاعةِ اللهِ، لَمْ تَلْجَأْ إلَى المعَاصِي عندَ نُزُولِ البَلاءِ. تَوضَّأَتْ وصَلَّتْ، وفي تلكَ الليلَةِ رأَتْ حَبِيبَهَا، رأَتْ بَدْرَ الكَوْنِ الأَنْوَرَ، رأَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبَا بكرٍ وعُمَرَ مُقْبِلِينَ مِنْ جِهَةِ الكَعْبَةِ، هِيَ بابُ بَيْتِهَا كَانَ مُواجِهًا للكَعْبَةِ، فَجَاءَ الرسولُ فبَصَقَ على طَرَفِ رِدَائِهِ وقالَ لَهَا امْسَحِي بهِ عَيْنَيْكِ، فَأَخَذَتِ الرِّداءَ فَمَسَحَتْ بِهِ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ، ثُمَّ وَضَعَتْهُ عَلَى مَوْضِعِ الكَسْرِ فَتَعَافَى، ثمَّ استَيْقَظَتْ مُبْصِرَةً، وَجَاءَتْ خَادِمَتُهَا فَرَأَتْهَا مُبْصِرَةً فَقَصَّتْ عليهَا قِصَّتَهَا، هَذِهِ المرأَةُ الصَّالِحَةُ كَثِيرٌ مِنَ النِّساءِ اسْتَفَدْنَ مِنْهَا فِي الزُّهْدِ والعِلْمِ والتَّقْوَى. كَانَتْ حَنْبَلِيَّةً، فَاطِمَةُ بِنْتُ أَحمدَ بنِ عَبْدِ الدَّائِمِ الزُّبَيْرِيَّةُ.
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ {2}﴾، سورة الحجّ ، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كلّه لا إله إلا أنت .عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.