الحَذَر مِن أَدْعِيَاءِ التَّصَوُّفِ زُورًا
Listen to the Friday Speech in English here: Warning Against Fake Sufis
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونشكرُه. ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا ومِن سيّئاتِ أعمالنا. مَن يهدِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادِىَ له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له. وأشهد أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعيننا وحِبَّ قلوبِنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ، صلَّى الله وسلَّمَ عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرسله.
أما بعد عباد الله، فإنى أُوَصِّيكم ونفسىَ بتقوَى الله العلىِّ القدير القائل فى محكم كتابه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠﴾ الأحزاب.
لقد أمر الله جَلَّ وَعَزَّ عبادَه المؤمنين بالقول السديد أىِ القولِ الموافقِ للحقِّ، الذى حسَّنه الشرعُ وأقرَّه. وليس القولُ الحسنُ السديدُ هو ما يعتبره الناسُ الذين ليس لهم فهمٌ فى الدين قولًا حسنًا، لأنَّ أمثالَ هؤلاء قد يَرَوْنَ القولَ الفاسدَ حسنًا وقد يرون الباطلَ صوابًا. كما قد يَرون القولَ الحسنَ الموافقَ لشرع الله جَلَّ وَعَزَّ فاسدًا. وذلك أنهم أضاعوا فقاسوا المسائلَ بمجرد الرأىِ البعيدِ عن ضَوابِطِ النقل. وزيَّن لهم الشيطانُ أعمالًا وأقوالًا فظنُّوها حقًّا. فصاروا لا يرون عنها بديلًا، بل وينتصرون لها ويَعيبون على مَن خالَفهم. ولا يدرُون أن عينَ الصواب على خلاف ما هم عليه.
وهذا مما يَرْبَأُ ولا يرضاه الفَطِنُ لنفسِه. وبالتالى فالعبرةُ إذًا بالناس الذين فَقِهوا الدينَ، وعرَفوا كتابَ الله وسُنةَ نبيِّه ﷺ وأقوالَ العلماء المعتبَرين، وعمِلوا بالأحكام. وبأمثال هؤلاء يكون الاقتداءُ لأن القاعدةَ الدينيةَ التى لا يختلف فيها مؤمنان ولا ينتطح فيها عَنْزَانِ أنَّ ما حسَّنَه الشرعُ فهو حسنٌ وما قبَّحه الشرعُ فهو قبيح.
ومما ابتُلِينا به فى هذا الزمان وغيرِه من سالف الأزمان ناسٌ انتسبوا إلى التَّصَوُّفِ وهو منهم بَرَاء. فخالفوا الكتابَ والسنَّةَ. ولبَّسُوا على العَوَامِّ فاستنزلوهم إلى مَهَاوِى الرَّدَى من حيث لا يدرُون. فكانوا عَونًا للشيطان على الناس وهم لا يشعرون. وما ذلك إلا بسبب جهلهم وإعراضِهم عن طلَب ما يحتاجونه من علوم الدين. فرأَوُا التحسينَ والتقبيحَ بآرائهم. فسالَ بهم السيلُ فغرِقوا فى مستنقعات الهَوَى. عنَيتُ بذلك أدعياءَ التَّصَوُّف الذين انتسبوا إلى هذا النهج الراقىِ الحسنِ على غير ما يوافق أصولَ وقواعدَ التَّصَوُّف. وذلك لأنَّ التَّصَوُّفَ مبنىٌّ على موافقة الكتاب والسنة وإجماع الأُمَّة، وأنه لا يُعتدُّ بما خالف ذلك.
أمَا وقد انتسب أناسٌ للتَّصَوُّف فأفسدوا وألحقوا بمذهب القوم شَيْنًا فاحِشًا، فقد اقتضَى التحذيرُ مما يقولون. فمنهم من زعَم والعياذ بالله أن اللهَ تعالى يَحُلُّ فى الأشخاص. ومنهم من قال ليس كمثله شىء وهو عينُ كلِّ شىءٍ. ومنهم من قال إذا اعتقد الفاعل والمفعول به أنهما واحد سقط الغُسلُ. ومرادُه إذا اعتقد الناكحُ والمنكوحُ أنهما واحدٌ أى أنهما اتَّحَدَا لأنهما اللهُ فلا غُسلَ عليهم. فما أشنعَ هذا الضلال البعيد.
وقد نقل ابن الجَوزىِّ فى كتابه تلبيسُ إبليسَ أنَّ قومًا انتسبوا للتَّصَوُّف اقتحَموا الذنوبَ وقالوا قصدُنا أن نسقطَ من أعين الناس فنَسْلَمَ من الجاه. وهؤلاء قد أهلكوا أنفسَهم بمعصية الله؛ وأنَّ قومًا اندسُّوا فى الصوفية وهم كفَّار لا يُقِرُّون بوجود الله، أو يقرون بوجود الله ولكن يجحدون النبوةَ. فتستَّروا بالتَّصَوُّفِ وغرضُهم هدمُ الدين.
والكلام فى مخازِى جهلة المتصوفة كثيرٌ وطويل. وكم يحصُل فى مجالسهم اليوم من ضلالاتٌ وترَّهاتٍ وقبائحَ بسبب بُعدهم عن العلم الشرعىِّ وتقلِيدِهمُ الأعمَى الذى يتعارض مع دليل الشرع، حيث يُزَيِّنُ بعضُهم للبعض التسليمَ للشيخ وعدمَ الاعتراض عليه فى أىِّ شىء. بل قال أحدُهم مرة: خطأُ الشيخِ خيرٌ مِن صوابِ المريدِ. وليتَ شعرِى أَلَمْ يَطْرُقُ أسماعَ هؤلاء حادثةُ المرأة التى عارضت عمرَ بنَ الخطَّاب رَضِىَ اللهُ عَنْه وردَّت عليه فى مسألة مهورِ النساء، فقال عمر: أصابتِ امرأةٌ وأخطأَ عمرُ! والقصة بتمامها رواها سعيدُ بنُ منصورٍ فى سننه.
ألم يقرأ هؤلاء قولَ الشيخ الجليل أحمدَ الرِّفاعىِّ الكبيرِ فى البرهان المؤيَّد: سلِّمْ للقوم أحوالَهم ما لم يخالِفوا الشرعَ. فإنْ خالَفوا الشرعَ فكن مع الشرعِ! بل ألم ينظروا قبل هذا فى حديثِ البخارىِّ: لا طاعةَ لمخلوقٍ فى معصيةِ الخالقِ! وفى قوله عليه الصلاة والسلام أيضًا: ليس أحدٌ إلَّا ويُؤْخَذُ من قولِه ويُدَعُ (يُتْرَكُ) غيرَ النبىِّ! رواه الطبرانىُّ عن ابن عباس. فالشيخ ليس معصومًا بل يُراجَع ويُرَدُّ عليه إن أخطأَ. ولا يجوز أن يُطاعَ فيما أَمَرَ إن كان أمْرُه مخالِفًا للشريعة. هذا وأستغفر الله لى ولكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيِّدِنا محمَّدٍ رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومَن والاه. وبعدُ عبادَ الله اتقوا الله.
ومن هؤلاء المنتسبين زورا إلى الصوفية فرقة يُعرفون باليَشْرُطيَّة نِسبةً إلى الشيخ علىٍّ نورِ الدين اليَشْرُطِىِّ الشَّاذِلِىِّ. وقد ذَكر مَن ترجَم للشيخ علِىٍّ اليَشرُطىِّ مِن معاصريه وغيرِهم أنَّ اليَشرُطِىَّ كان من أكابر الصالحين وله كراماتٌ عظيمةٌ. فافتُتِن به بعضُ أتباعِه فى بلاد الشام فزاغُوا. فبلغه ذلك فأرسل يُحذِّر منهم. فنحن نُبرِّئُه ونُبَرِّئُ الشَّيخَ الشَّاذِلِىَّ من هؤلاء.
ورِجالُ ونساءُ هذه الفرقة يُقَبِّل بعضُهم أيدِى بعضٍ. واشتُهِر عنهم أنهم لا يصدِّقون الحالفَ إلَّا إذا حَلَفَ بسيِّدهم. وهؤلاء يأتون السُّذَّجَ فيفتنونهم باسم الدين. وينفِّرون كثيرا من الناس من التَّصَوُّف. والتَّصَوُّف الحقيقىُّ بَرِىءٌ من كل هذه الخُزَعبيلات.
ثم من قبائح بعض اليَشْرُطيَّة أنهم يجتمعون فى الليالى فيما يُسمونه الحَضْرَةَ بدعوَى الذكر فيتحلَّقون ليذكروا اللهَ بزعمِهم، فيُحرِّفون القولَ ويعصون اللهَ بتحريفهم لِلَفْظِ الجلالة الله. فيقولون ءاه، ءاه. وربُّنا جَلَّ وَعَزَّ يقول: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٨٠﴾ الأعراف. ومعنى الحسنى الدَّالَّة على الكمال. ولفظُ ءاه ليس من الألفاظ الدالَّة على الكمال، بل هو لفظ موضوعٌ للشِّكاية والتوجُّع. وهذا إلحادٌ فى أسماء الله أى تحريفٌ وتبديل. وقد سُئل شيخُ الأزهر الأسبقُ الشيخُ سليمٌ البِشْرِى رحمه الله عن هؤلاء، فقال: حضورُ مجالِسِهم حرامٌ.
وإذا ما عُلِم هذا فليتَّقِ اللهَ امرؤٌ ولْيقف عند حدِّ الشَّرع ولا يُفتتَن بالأشخاص. فإن الحقَّ لا يُعرف بالرجال، ولكنِ الرجالُ يُعرفون بالحق. وليكن على ذُكْرٍ أن الصوفية الحقَّةَ شىءٌ حسنٌ نفيسٌ راقٍ. لكن بعض الجهلة انتسبوا للتَّصَوُّف فألحقوا بالمذهب وأهلِه ما لا صلةَ لهم به من قريب ولا بعيد.
فمن أراد التَّصَوُّف الحقَّ فلْيأخذْه من أعلامِه الأكابر أئمَّةِ الهُدَى الذين شَهِد بهُداهم أهلُ العلم المعتبَرون. فللتَّصَوُّف أهلُه. وأمَّا الذين يدَّعُونه إفكًا ويخالِفون شرعَ الله فسَيُحاسِبُهم الله.
اللَّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ.
الجمعة مسجد عمر ٢٢ جُمادَى الأولَى ١٤٤١ هـ - ١٧ ك٢ ٢٠٢٠ر