صِيامُ رَمَضَانَ فَريضَةٌ شَرْعِيَّةٌ
الحمدُ لله المَلِكِ العَلاَّم* والصلاةُ والسلام على سيدنا محمدٍ أفضلِ الأنام* وعلى ءاله وصحبه ومن أدَّى بتقوًى فريضَةَ الصّيام. أما بعد، عباد الله اتقوا الله. قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّـِيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة ١٨٣).
ثم إنَّ رسول الله قال: ”إنَّ بكلّ تسبيحة صدقةً، وكل تكبيرة صدقةً، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمرٌ بمعروف صدقة، ونهىٌ عن منكر صدقة، وفى بُضع أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله أيأتى أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها فى حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها فى الحلال كان له أجر.“ رواه مسلم (الأربعون النووية ٢٥).
بعض الأمور هنا نوافل وهى التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، وبعضها فروض وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فكل منهما تارة فرض عين وتارة فرض كفاية. وبعضها حرام مثل قضاء الشهوة فى الزنى وبعضها مباح مثل قضاء الحاجة فى الحلال فى الزواج. وبعضها مباح ينقلب إلى طاعة. فالمباحات تصير بالنيات طاعات فالجماع يكون عبادة إذا نوى به الإنسان قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف أو طلب ولد صالح أو عفاف نفسه أو زوجته أو غير ذلك من المقاصد الصالحة. وهناك أمور مكروهة كالأكل باليد اليسرى بغير عذر.
فهذه التقسيمات الخمسة لأحكام أعمال العباد تقسيمات شرعية ليس للعقل فيها دخَل، أى لم تنبثق من العقل. بل الله أوحى بها إلى النبىّ . كان وأد البنات مستحسَنا عند العرب فى الجاهلية. وفى بعض نواحى الحبشة أناس يستنكرون على من يستر جسمه بالثياب وهم لا يلبسونها. وبعض الناس يظنون أنهم يطهرون الأرض بقتل الناس. وبعض الناس يستحسنون قتل الشاة لأكلها وبعض ءاخر يستنكر ذلك.
فالحسن ما حسَّنه الشرع والقبيح ما قبَّحه الشرع. وهذا النكاح أمر استحسنه الشرع لبقاء الإنس على الأرض إلى يوم القيامة ولصلاح أمرهم. لم يخلق الله لآدم ءادم ءاخر زوجا له. بل خلق الله ءادمَ وخلق له حواءَ زوجة. ومنهما انتشر البشر فى الأرض.
وَقال الله جَلَّ وَعَزَّ: ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ ﴾ أى فمن حضر دخولَ شهرَ رمضانَ مقيمًا فَلْيَصُمْهُ. وعلى هذا يجب مراقبة هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان لأنه يجب صيامه بأحد أمرين: إكمال شعبان ثلاثين يومًا أو رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان. وذلك لقوله : ”صُومُوا لرُؤْيَتِه وأفطِروا لرؤيته. فإنْ غُمَّ عليكم فأكمِلوا عِدَّةَ شعبانَ ثلاثين يومًا.“ رواه البخارى ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم. فمن رأى هلالَ رمضان ومن لم يره وأخبره رجل مسلم ثقةٌ أنه رءَاهُ وجب عليه الصيامُ لحديث أبى داود عن ابن عمر رضى الله عنه قال: ”أَخبَرتُ النبىَّ أنّـِى رأيتُ الهلالَ فصامَ وأمر الناسَ بالصوم.“ صحَّحه ابنُ حِبَّان.
ولا يؤخذ بكلام الفاسق والكذَّاب. فهذه عبادة يُحتاط فيها. واللهُ أمرنا أن نتحقق من الأخبار فى أقلَّ من ذلك.[1] فالأولى أن نتحقق فى بدء صوم رمضان وإنهائه. فإن أثبت القاضى الصومَ وجب الصيام على أهل بلد الإثبات وسائر أهل البلاد القريبة من بلد الرؤية باتحاد المطالع أى مكان شروق الشمس وغروبها. فلا يجوز لأهل الشام والعراق أن يصوموا معا لاختلاف المطلع. وهذا عند الإمام الشافعىّ. أما عند أبى حنيفة فيجب الصيام على أهل كل بلد علموا ثبوت الصيام فى بلد ما مهما بعُدت تلك البلاد عن البلد الذى ثبتت فيه الرؤيةُ. ويجب على أهل المغرب الأقصى الصيام إذا علموا بثبوت الصيام فى المشرق وكذلك العكسُ.
وفرائض الصيام اثنان: النية والإمساك عن المفطّـِرات. فالنية فى القلب وإيقاعُها فى الليل لكل يوم من رمضان. ولا بد من تعيين صوم فرض رمضان. يقول فى قلبه: نويت صيام غد من رمضان هذه السنة إيمانًا واحتسابا. وعند الإمام مالك يكفى أن ينوى فى ليلة اليوم الأول منه عن جميع أيام رمضان فيقول: نويت صيامَ ثلاثين يوما عن شهر رمضان هذه السنة. أما المرأة التى هى حائض تلك الليلة فتنوى كلَّ ليلة بعد طهرها.
والإمساك عن المُفطّـِرات هو الإمساك عن الطعام والشراب ونحوهما. ويكون موضوع خطبة قادمة إن شاء الله.
أقول قولىَ هذا وأستغفر اللهَ لى ولكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد أوصيكم ونفسىَ بتقوى الله.
ثم إن صيامَ شهر رمضان المباركَ عبادةٌ عظيمة خصَّها اللهُ بخصائصَ منها ما ورد فى الحديث القدسى الذى أخرجه البخارىُّ، قال اللهُ تعالى: ”كلُّ حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيامَ، فإنه لى وأنا أجزِى به.“ وقد فُرض صيام رمضان فى السنة الثانية للهجرة. وقد صام رسول اللهُ تسعَ سنوات تُوُفّـِىَ بعدها. وصيام رمضان وجوبه معلوم من الدين بالضرورة. فمن جحد فرضيَّتَه فهو كافر إلا أن يكون قرِيبَ عهد بإسلام أو نشأ فى بادية بعيدة عن العلماء. والأصل فى وجوبه قبل الإجماع ءايةُ: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّـِيَامُ ﴾، وقولُه ﷺ: ”بُنِىَ الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصَومِ رمضان.“ رواه مسلم.
فالسعيد المحظوط من ءامن بالله وأطاعه، والشقىّ المحروم من كفر بالله وعصاه.
جعلنا الله وإياكم من المحظوظين بالقَبول من الله السائرين على نهج الرسول ﷺ.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.