شُكْرُ الله وعاشوراء
Click here to listen to the Speech: Thankfulness (Shukr) & ^Ashura'
الحمد لله العظيمِ الغَفُورِ الشَّكُورِ*[1] والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ العبدِ الشكورِ* وعلى ءاله وصحبه وتابعيه وكل تقىّ شكور* وبعد. عبادَ الله اتقوا اللهَ. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّـِبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للهِ إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ (البقرة ١٧٢).
لقد خلق الله تبارك وتعالى العبادَ وأنعَمَ عليهم بنِعَمٍ كثيرة. قال تعالى:﴿ وما بكم من نعمة فمِن الله ﴾ (النحل ٥٣). وقال ربنا: ﴿ وإن تعُدُّوا نعمة الله لا تُحصوها ﴾ (إبراهيم ٣٤). وأمر الله تبارك وتعالى عبادَه بأن يشكروه على نعمه فقال: ﴿ وَاشْكُرُوا لِى وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ (البقرة ١٥٢).
اعلموا أن الشكر قسمان: شكر واجب وشكر مندوب. فالشكر الواجب هو ما على العبد من العمل الذى يدل على تعظيم المنعِم الذى أنعم عليه أو على غيره بترك العصيان لله تبارك وتعالى فى ذلك. فهذا هو الشكر المفروض على العبد. فمن حفظ قلبه وجوارحه وما أنعم الله به عليه من استعمال شىء من ذلك فى معصية الله فهو العبد الشاكر. فيداوم على عدم ارتكاب المعاصى بها فلا يعصى بيده ولا برِجله ولا ببصره ولا بفؤاده ولا بغير ذلك من جوارحه لأن العبد مسئول عنها يوم القيامة. قال الله تعالى: ﴿ إنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئك كان عنه مسئولا ﴾ (الإسراء ٣٦). ثم إذا تمكن فى ذلك سُمّـِىَ عبدًا شكورًا. والشَّكور أقلُّ وجودًا من الشاكر الذى هو دونه، كما قال الله تعالى: ﴿ اعْمَلُوا ءالَ دَاوُدَ شُكْرًا وقليلٌ من عبادِىَ الشَّكُور ﴾ (سبأ ١٣).
والشكر المندوب هو الثناء على الله تعالى الدالُّ على أنه هو المتفضل على العباد بالنعم التى أنعم بها عليهم مما لا يدخل تحت إحصائنا. ويُطلق الشكر شرعا على القيام بالمكافأة لمن أسدى معروفا من العباد بعضِهم لبعض. ومن هذا الباب الحديث المشهور: ”من لم يشكرِ الناس لم يشكرِ الله.“ رواه البيهقىّ أى أن كمالَ شكر الله يقتضى شكرَ الناس. وشكرُ الناس يكون بالمكافأة والدعاء ونحوِ ذلك.
وليس الشكر الكامل أن يفرح الإنسان بالنعم التى ينالها ويقول إذا فرح الشكر لله والحمد لله. فهذا لا يكون بمجرد ذلك عبدا شاكرا بل عليه أن يستعمل نعم الله فى المحل الذى أذِن فيه كأن يصرف المال فى نفقة نفسه وأهله وفى صلة الرحم. إن أصابه فرح فلا يشترى به خمرا ولا يطلب المغنيات والذين يضربون على المعازف ثم يعطيهم الأجرة على ذلك. فهذا يكون وبالا عليه يوم القيامة. فهذا لا يقال له شكور فضلا عن أن يكون شاكرا، لأن العبد الشكور هو الذى بالغ فى الشكر وتمكن فى استعمال نعم الله فى طاعة الله.
فالإنسان الذكىّ الفطن هو الذى يقنع بقضاء الله ولا يتسخط على الله. فإذا أصابته النعم فهو بخير لأنه يعبد الله ويشكره على هذه النعم، وإن أصابته ضراء يصبر ولا يتسخط على ربه ويكون له أجر. هذا شأن المؤمن الكامل الذى قال فيه رسول الله ﷺ: ”عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.“ رواه مسلم. والشاكر لله لا بد أن يكون راضيا عن الله عز وجل بالتسليم له وترك الاعتراض عليه. قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ الله غَنِىٌّ حَمِيدٌ ﴾ (لقمان ١٢). قال القرطبىّ: أى من يطع اللهَ تعالى فإنما يعمل لنفسه، لأن نفعَ الثواب عائدٌ إليه. ومن كفر النعمَ فلم يوحّـِدِ اللهَ فإن اللهَ غنىٌّ عن عبادة خلقِه محمودٌ عندهم. ومثلُه قال النسفىّ فى تفسيره.
أقول قولىَ هذا وأستغفر الله لى ولكم.
الحمد لله فى السَّرَّاء والضرَّاء * والصلاة والسلام على رسول الله المتحنّـِث بحِراء* وعلى ءاله وصحبه وتابعيه بلا مِراء* وبعد. عبادَ الله اتقوا الله .
قد دخل محرم من السنة ١٤٣٤ للهجرة يوم الجمعة الماضية. وعلى مر الأزمان حصل فى اليوم العاشر من محرم المسمَّى عاشوراء حوادث هامة. فهو اليوم الذى تاب اللهُ فيه على ءادم، ونجَّى اللهُ فيه سفينة نوح. وكذلك أنجَى اللهُ تعالى فيه موسى وأغرق فيه فرعونَ. وبعد وفاة النبىّ ﷺ حصلت موقعةُ كَربَلاء سنة إحدى وستين للهجرة.
عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قدم المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء. فقال لهم ﷺ: ”ما هذا اليوم الذى تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى اللهُ فيه موسى وقومَه وأغرق فيه فرعونَ وقومَه، فصامه موسى شكرًا لله. فنحن نصومه تعظيمًا له. فقال رسول الله ﷺ: فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم. فصامه رسولُ الله ﷺ وأمر بصيامه.“ متفق عليه.[2]
وروى مسلم أنَّ رسول الله ﷺ سئل عن صوم يومِ عاشوراء فقال: ”يُكفّـِر السنةَ الماضية.“ أى الصغائر. فإن لم تكن صغائرُ يُرجى التخفيفُ من الكبائر، فإن لم يكن رُفِعت درجاتٌ. وسُنَّ أيضا صيامُ تاسوعاءَ وهو تاسع المحرم لقوله ﷺ: ”لئن عشتُ إلى قابِل لأصومَنَّ التاسع.“ رواه مسلم. ولكن مات رسول الله ﷺ قبله.
قال بعضهم: وحكمةُ صوم يوم تاسوعاء مع عاشوراء الاحتياطُ له لاحتمال الغلط فى أول الشهر، ولمخالفة اليهود فإنهم يصومون العاشر، والاحترازُ من إفراده بالصوم كما فى يوم الجمعة. فإن لم يصم معه تاسوعاءَ سُنَّ أن يصوم معه الحادىَ عشر. بل نصَّ الشافعىُّ فى الأمّ والإملاء على صوم الثلاثة.
وهذه الأيام الثلاثة هذه السنةَ هى السبت (غدًا) والأحد والاثنين (٢٤، ٢٥، ٢٦ ت٢، ٢٠١٢ر).
جعلنا اللهُ وإياكم من الصائمين القائمين المقبولين.
اللهم اغفِر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
الجمعة فلادلفيا ٨ محرم ١٤٣٤ هـ - ٢٣ ت٢ ٢٠١٢ ر
[1] الشَّكُورُ فى حقّ الله معناه الذى يشكر اليسيرَ من الطاعة ويعطِى عليه الكثيرَ من المثوبة. وشُكرُه قد يكون بثنائه على عبده.
[2] يستفـــاد من صوم النبىّ ليوم عاشوراء جوازُ فعلِ الشُّكرِ لله على مَا مَنَّ به فى يومٍ مُعيّنٍ من إسداءِ نِعمَةٍ أو دَفْعِ نِقمَةٍ، ويُعاد ذلك فى نظير ذلك اليوم من كل سنة. ويُستفاد منه أيضا ضرورةُ مخالفةِ اليهود وعدمِ التشبه بهم. ولذلك قال الرسول ﷺ: ”لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ.“ فالرسول يعلمنا أن نخالف الكفار وأن لا نتشبه بهم. وأما صيام الرسول لهذا اليوم مع أن اليهود كانوا يصومونه فقد فسّرَهُ الرسول بقوله: ”نحن أَوْلى بموسى منكم“ فصامه شكرًا لله على نعمة نجاة سيدنا موسى عليه السلام.