الكَذِبُ مِن عَلامَاتِ النّـِفَاقِ
Click her to listen to this speech: Lying is One Sign of Hypocrisy
الله أكبر (٩ مرات)* الحمدُ لله يُحبُّ من عبادِه الصادقين* والصلاةُ والسلام على رسول الله الصادقِ الوَعْد الأمين* وعلى ءاله وصحبه ومَن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين* أما بعد عبادَ الله اتقوا اللهَ العظيمَ القائلَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ (التوبة ١١٩).
ثم إن الصدقَ خصلةٌ حميدةٌ اتَّصَفَ بها أنبياءُ الله المُكْرَمين وعبادُ الله الصالحين، والكَذِبَ رذيلةٌ اتَّسخَ بها أعداءُ الحقّ وغيرُهم من المخذولين المَهِينين. والكذبُ هو الإخبارُ بخلاف الواقع مع العلم بحقيقة الأمر. وقد ثبَت أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم كان يَمقُتُ الكذبَ كثيرًا. وقد روَى البيهقىُّ قولَه صلى الله عليه وسلم:” لا يَصلُحُ الكذبُ فى جِدّ ولا هَزْلٍ “.
ثم إن من الكذب ما هو من الصغائر وهو مثلُ ما لم يتَضرَّرْ بسببِه أحدٌ. ومنه ما هو من الكبائر، ومنه ما يصل إلى حدّ الكُفرِ المُخْرِجِ من المِلَّة.
ومن أعظم الكذب وأقبحِه الكذبُ على الله وعلى ورسولِه. فمن الكذب على الله نَسْبُ الشريك لله وهو الذنبُ الذى لا يغفره اللهُ لمن مات عليه. وهذا كذِبٌ كُفْرٌ. قال الله تعالى: ﴿ إنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أن يُشْرَكَ بِه ويَغفِرُ ما دونَ ذلكَ لِمَن يشاءُ ﴾ (النساء ٤٨).
ومن الكذب البغيض على الله تسميتُه تعالى بما لا يليق، كما فعل سيدُ قُطْبٍ بقوله إن اللهَ هو العقلُ المدبّـِرُ والريشةُ المُبدِعة. وهذا كذِبٌ كُفْرٌ مناقض لأمر الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ ﴾ (الأعراف ١٨٠)
وكذلك تشبيهُ الله بخلقه أى بنسبة شىء من معانى البشر وأوصافهم إليه سبحانه وتعالى، كما فعل ابنُ تيميةَ بنسبة الجلوسِ والحدّ إلى الله ونسبتِه الحدوثَ لله فى ذاته. وهذا كذِبٌ كُفْرٌ مناقض لقوله تعالى: ﴿ لَيسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ ﴾ (الشورى ١١)
ومن الكذب على الله ادّعاءُ البعض النبوةَ أى ادعاؤهم أن الله أرسلهم بالوحى أنبياءَ ورسلًا، كما فعل مسَيلِمةُ الكذَّابُ فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما فعل القاديانىُّ غُلامُ أحمدَ فى عصرنا. وهذا كذِبٌ كُفْرٌ. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ الله ﴾ (الأنعام ٩٣)
وكذلك الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الكبائر لقوله صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ كَذِبًا علَىَّ ليسَ كَكَذبٍ على أحد. فَمَن كَذَبَ علَىَّ مُتعمّـِدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقعَدَه من النار “ رواه مسلم. بل من الكذب على رسول الله ما هو كفر، كأن ينسُِبَ إلى رسول الله تحريمَ ما أحلَّه للمؤمنين أو تحليلَ ما حرَّمه على المؤمنين.
وقد افترى سيدُ قُطْبٍ وغيرُه على سيدنا إبراهيمَ بأنه لم يكن يعرف ربَّه فظنَّ أنَّ كُلًّا من الكوكب (النجم) ثم القمرِ ثم الشمسِ إلهَه ثم تبرَّأَ من ذلك. وهذا ضلال مبين لأن اللهَ أخبرنا فى القرءان أنه قد عصَم خليلَه منذ صِغَرِه بقوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ (الأنبياء ٥١). وكذا افترى هو وغيره على سيدنا يوسفَ عليه السلام بأنه أراد الزنَى بزوجة عزيز مصر. وهذا مخالف لإجماع المسلمين على أنَّ الأنبياءَ معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسَّة قبل النبوة وبعدها. لكنَّ الافتراءَ على أنبياء الله دأْبُ الكذَّابين أهلِ الضلال منذ أن ظهر الباطل فى الأرض.
هذا وإنَّ أعداءَ الحقّ لم يكتفوا بالكذب على الله ورسوله بل جاوَزوه إلى الافتراء على صحابة الرسول. فالخوارجُ افترَوا على الإمامِ علىّ بنِ أبى طالبٍ بأنه لم يُحَكّـِمْ كتابَ الله وكفَّروه. وسيدُ قطبٍ افترى على ابن عباس رَضِىَ اللهُ عَنهما بأنه حرَّفَ تفسيرَ ءايةِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُم أَينما كنتم﴾ (الحديد ٤). وابنُ تيمية اتَّهَم عليًّا باللعِب بدماء المسلمين وادَّعَى أنَّ حروبَه أضرَّت بالمسلمين.[1]
والمنافقون افترَوا على أمّ المؤمنين السيدةِ عائشةَ رضى الله عنها بالزنَى وبرَّأَها اللهُ فى القرءان من هذا الفعل الشنيع. ولا عجبَ! فالكذب إحدى علامات المنافق. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ”ءايَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ.“ متفق عليه.وفى رواية لمسلم: ”مِنْ عَلاَمَاتِ الْمُنَافِقِ ثَلاَثةٌ.“ الحديث. وَ: ”ءايَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ. وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ.“
قال الحافظ فى الفتح: النفاق لغةً مخالَفة الباطن للظاهر. فإن كان فى اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، وإلا فهو نفاق العمل. ويدخل فيه الفعلُ والتركُ. وتتفاوت مراتبه. قال النووىّ: والذى قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه: أن هذه الخصالَ خصالُ نفاق، وصاحبَها شبيهٌ بالمنافقين فى هذه الخصال ومتخلّقٌ بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يُبطَن خلافُه. وهذا المعنى موجود فى صاحب هذه الخصال. والمراد بالنفاق نفاق العمل، لا أنه منافق فى الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر. ولم يُرِدِ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافقٌ نفاقَ الكفار المخلَّدين فى الدَّرْكِ الأسفلِ من النار. وقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الآخر: ”كان منافقا خالصا“ معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال. قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبةً عليه. فأما من يندر ذلك منه فليس داخلا فيه. فهذا هو المختار فى معنى الحديث.
ووجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاث أنها منبّـِهةٌ على ما عداها، إذ أصل الديانة منحصر فى ثلاث: القول، والفعل، والنية. فنبَّهَ على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخُلف، لأن خلفَ الوعد لا يَقدح إلا إذا كان العزمُ عليه مقارنًا للوعد. أما لو كان عازما ثم عرَض له مانع أو بَدا له رأىٌ فهذا لم توجد منه صورةُ النفاق. وعند أبى داود والترمذى: ”إذا وعد الرجلُ أخاه ومِن نيته أن يفِىَ له فلم يفِ فلا إثمَ عليه.“
أقول قولىَ هذا وأستغفر اللهَ لى ولكم.
الله أكبر (٧ مرات)
اللهُ أكبرُ كبيرًا* والحمد لله كثيرا* وسبحان الله وبحمده بُكرةً وأصيلا* والصلاة والسلام على سيدنا محمد وءاله وصحبه وحِزبِه* أما بعد عبادَ الله اتقوا اللهَ.
ثم إن هذا اليومَ هو يومُ عيد الفطرِ. فهو يوم فرحة بأداء صيام رمضان، ثم بالفطر طاعةً لله واتّباعا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فداوِموا على طاعة ربكم بأداء الواجبات واجتناب المحرمات. ويسن صيام ست من شوال والأفضل متتابعة.
ولا تنسَوْا زكاةَ الفطر عنكم وعن كل مسلم تجب نفقته عليكم. وهى عند الشافعىّ صاعٌ من غالب قوت البلد إذا فَضَلَت عن دَينِكم -ولو كان مؤجَّلًا- وكسوتِكم ومسكنِكم وقُوتِكم، وكذا عن عيالِكم يومَ العيد وليلتَه التى تليه. وعند أبى حنيفة نصفُ صاع من بُرّ أو صاعٌ من تمرٍ أو شعير أو زبيب. ويجوز دفعُ القيمة (نحو ستة دولارات). ويجوز إخراجُها فى رمضان. والسُّنة إخراجُها يومَ العيد قبلَ الصلاة. ويحرُم تأخيرُها عن يوم العيد بلا عذر.
فى هذا اليوم السعيد انسُوا خُصوماتِكم، وأتمِروا بالمعروف، وتناهَوا عن المنكر، ووسّـِعوا على أزواجكم وذَرارِيّـِكم. ولا تنسَوُا المحتاجين من أبناء المسلمين. ولا تنسَوُا البلاءَ النازلَ بأبناء أمتكم المسلمين فى أفغانستان وفلسطين وسورية وغيرِها من بلاد الأرض. واحمَدوا اللهَ على ما هداكم وأولاكم.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات* اللهم اجعلنا من الصادقين، ولا تجعلنا من الكاذبين الخائنين* اللهم فرّج كروبَنا وكروبَ أحبابنا وكروبَ المسلمين* اللهم تقبَّل منا صلاتنا ودعاءنا* واجعل هذا العيد عيدَ خير وبَركة ووئام*
تقبَّلَ اللهُ طاعاتكم* وكلَّ عيد وأنتم بخير*
خطبة الفطر فلادلفيا ١٤٣٣ هـ - ١٩ ءاب ٢٠١٢ ر
[1]. وابن تيمية يعلم أن الله تعالى قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ (النساء ٥٩﴾. وعلىٌّ داخلٌ فى هذه الآية. روى النسائىّ فى الخصائص والبزّار والطبرانىّ أنه قال:”أُمِرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين“. قال ابن حجر فى تخريج أحاديث الرافعىّ: والناكثين أهل الجمل، والقاسطين أهل الشام لأنهم جاروا عن الحق فى عدم مبايعته. والمارقين أهل النهروان (الخوارج) لثبوت الخبر الصحيح فيهم أنهم ”يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة“. وثبت فى أهل الشام: ” عمار تقتله الفئة الباغية“...