الإسلام والإيمان متلازمان
Listen to this article in English Iman and Islam Are Inseparable
الحمد لله الملِك القُدُّوسِ السلامِ المُؤمِنِ* والصلاة والسلام على سيدنا محمَّدٍ حبيبِ كلّ مسلم مؤمِن* وعلى ءاله وصحبِه وكلّ تقِىّ مؤمن* وبعد، فيا عبادَ الله اتقوا الله.
قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِىنَ ءَامَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ (ءال عمران ٢٠٠).
ثم إنه ورد فى حديث جبريل: "الإسلامُ أن تَشهَدَ أن لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهُ..... الإيمانُ أن تؤمِنَ باللهِ وملائِكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ وتؤمِنَ بالقدَرِ خيرِه وشَرّهِ." رواه مسلم
اعلم أن الإيمانَ لُغَةً التصديقُ. ومنه قوله تعالَى إخبارًا عن إخوة يوسُفَ: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ (يوسف ١٧). والإسلامُ لغة الانقيادُ والخضوعُ. ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فى السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ (ءال عمران ٨٣) أى خضع وانقاد لمشيئته سبحانه، لا بمعنى دخل فى الإسلام. ففى اللغة اللفظان متغايران.
أما من حيث الشرعُ فالإيمانُ تصديقٌ مخصوصٌ وهو التصديقُ بما جاء به النبىُّ . والإسلامُ هو الانقياد المخصوص لما جاء به النبىُّ . والإسلام والإيمان متلازمان لا يُقبَل أحدُهما بدون الآخَر، وإن كانا مختَلِفَينِ من حيثُ معناهُما الأصليَّان. قال الله تعالى فى لوط وقريته: ﴿ فأَخْرَجْنا مَن كان فيها منَ المؤمنينَ* فما وجدنا فيها غَيرَ بيتٍ من المسلمين* ﴾ (الذاريات ٣٥-٣٦) أى غيرَ أهلِ بيت من المسلمين (النسفى وابن الجوزى). قال أهل التفسير: هم لوط وابنتاه ومن ءامن معه. وصفهم اللهُ عزَّ وجلَّ بالإيمان والإسلام لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم. ففيه دليلٌ على أن الإيمان والإسلامَ واحد. وقد قال الإمام الأعظمُ أبو حنيفةَ النُّعمانُ رضى الله عنه فى الفقه الأكبر: "لا يكونُ إيمانٌ بلا إسلامٍ ولا إسلامٌ بلا إيمانٍ. فهما كالظهر مع البطن." فكما أن الظهرَ لا ينفصل عن البطن مع أنهما مختلفان، فكذلك الإيمان لا ينفصل عن الإسلام، والإسلام لا ينفصل عن الإيمان.
وأما قوله تعالى: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإيمَانُ فى قُلُوبِكُمْ ﴾ (الحجرات ١٤)، فالمراد به الإسلامُ اللغوىُّ الذى هو الانقياد لا الشرعىُّ. حيث إن هؤلاءِ الأعرابَ كانوا يظهرون للناس أنهم يُحبون الرسولَ ﷺ وأنهم منقادون له خوفًا من القتل وفى قلوبهم كُرهُ النبى. قال القرطبىُّ: ﴿ وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ أى استسلمنا خوفَ القتل والسبى. وهذه صفة المنافقين.
قال العلماءُ: أقلُّ الإسلامِ شهادةُ أن لا إله إلا الله وأَنَّ محمَّدًا رسولُ الله. وأقلُّ الإيمان التصديقُ بمعنى الشهادتين. فمن ءامَن بما جاء به الرسولُ وصدَّق ذلك بالنطق بالشهادتين بلسانه فهو مؤمنٌ مسلِمٌ. إن مات على ذلك لا بد أن يدخلَ الجنة. فالنطق بالشهادتين لا يُقبل عند الله بدون التصديق القلبىّ، والتصديق القلبىُّ لا يُقبل عند الله بدون النطق للقادر عليه.
أما الأحاديث: "المسلمُ مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويده." و: "لا يؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه." المتفقُ عليهما ونحوُهما فليس فيها نفىُ أصل الإيمان عمَّن لم يتصف بهذ الصفات. بل فيها نفىُ كمال الإيمان عنه. فكلُّ مسلمٍ مؤمنٌ وكلُّ مؤمنٍ مسلمٌ. ومن ءامَن بالله ورسوله وصدَّق بلسانه وأدَّى الواجبات واجتنب المحرَّماتِ مسلمٌ مؤمنٌ إيمانُه كاملٌ. ومن ترك بعض الواجبات ووقع فى الكبائر وغيرِها من المعاصى فهو مسلم مؤمن إيمانُه ناقص. ويقال له مسلمٌ عاصٍ. فالإيمان يزيد وينقص. ولا يزول اسمُ الإيمان والإسلام عن المرء المؤمن إلا بالردَّة التى هى قطع الإسلام بنيةِ أو فعلِ أو قولِ كفرٍ سواء قاله استهزاءً أو عِنادًا أو اعتقادًا.
وننبهكم على أن من أسماء الله تعالى "المؤمِنَ". ومعناه الذى صدَّقَ نفسَه وصدَّق عبادَه المؤمنين بكلامه. أى علم أنه صادق وعلم أنهم صادقون. أو الذى شَهِد لنفسه أنه لا إله إلا هو وشهِد لهم بصدقهم فى توحيده وعبادته سبحانه. وقيل الذى يؤَمّـِنُ عبادَه المؤمنين يوم القيامة من عقوبته. فالمؤمن هو واهِبُ الأمْنِ.
أقول قولىَ هذا وأستغفر اللهَ لى ولكم.
الحَمدُ للإلهِ ذِى الجَلالِ وشارِعِ الحرامِ والحلالِ
ثُمَّ صلاةُ اللهِ معْ سلامِى على النبىّ المصطفَى التّـِهامِى
محمَّدِ الهادِى منَ الضلالِ وأفضلِ الصحبِ وخيرِ ءالِ
أما بعد، عبادَ الله اتقوا الله.
أول واجبٍ على الإنسانِ معرفةُ الإله باستيقانِ
والنطقُ بالشهادتين اعتُبِرا لصحة الإيمان مِمَّن قَدَرا
إنْ صدَّقَ القلبُ وبالأعمالِ يكونُ ذَا نَقْصٍ وذا كمالِ
ففى قول العالم أحمدَ بنِ رسلانَ الشافعىّ (٧٧٣ - ٨٤٤ هـ) رحمه الله تصريحٌ بأن الإيمان شرطٌ لقَبول الأعمال. قال رسول الله ﷺ: "رُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا السهرُ. ورُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوعُ والعطشُ." رواه ابن حِبَّان. ولا بد من التصديق بالقلب والنطق بالشهادتين ليصحَّ إسلامُ المرء. وبعد ذا ففى قيامه بالطاعات يزيد إيمانه، وينقص بعصيانه لله تعالى.
وقال الإمام أبو جعفرٍ الطحاوىُّ (ت ٣٢١ هـ): "ولا نكفّـِرُ أحدًا من أهل القِبلة بذنبٍ ما لم يَستحِلَّه.... والإيمان الإقرار باللسان والتصديقُ بالجَنان.... ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاقٍ ما لم يظهر منهم شىءٌ من ذلك." فلا يجوز تكفير المسلم من أجل الذنب إلا إذا استحلَّ الذنبَ وكان الذنبُ معلوما من الدين بالضرورة أنه ذنب. فلا نكفّـِر أحدًا بدون دليل ولا نحكم على أحد بالشرك بدون دليل ولا بالنفاق بدون دليل شرعىّ. فإذا أظهر ذلك نحكم عليه به. فقد ناظر الإمام الشافعىُّ حفصًا الفَردَ فى مسئلة الكلام وبعد أن ظهر منه الكفر قال له الإمام الشافعىُّ: "لقد كفرتَ بالله العظيم." حفظنا الله وإيَّاكم من شرور الكفر وعواقبه.
قال رسول الله : " إنَّ فى الجنة بابًا يقال له الرَّيَّانُ يَدخُل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخلُ منه أحدٌ غيرُهم. يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يَدخلُ منه أحدٌ غيرُهم. فإذا دَخَلُوا أُغلِقَ فلم يدخُلْ منه أحدٌ." متفق عليه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.
أُعطيت هذه الخطبة فى مركز فيلادلفيا فى ١٢ ءاب ٢٠١١ر (١٢ رمضان ١٤٣٢ هـ)