Monday, 18 March 2024
A+ R A-

قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقّ

Listen to this Speech in English:

الحمد لله رَبّ الأرض والسماء، الَّذِى حرَّم سفكَ الدّماء* والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد، به يُروَى الظّـِماء* وعلى ءاله وصحبه وحزبه أنصَفوا العبيدَ والإماء* أما بعدُ عبادَ الله فاتقوا اللهَ. قال الله تعالى : ﴿وَلَا تَقۡتُلُوا النَّفۡسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَانٗا فَلَا يُسۡرِف فِّى القَتۡلِ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾ (الإسراء ٣٣)

ثم إن من أكبر ما تجنيه اليدان قتلَ النفس التى حرَّم الله إلا بالحق. ففى حديث البخارىّ الذى فيه بيان السبع الموبقات: قال ﷺ: "وقتلُ النفس التى حرَّم اللهُ إلا بالحقّ." فقتل المسلم بغير حقّ أكبر الكبائر بعد الكفر. وقد ثبت فى حديث البخارىّ أن رسول الله ﷺ سئل أىُّ الذَّنب أعظم عند الله قال: "أن تجعَل لله نِدًّا وهو خلقك. قال السائل ثم أىّ؟ قال: أن تقتل ولدَك تخاف أن يَطعَم معك." وحرمة هذا القتل معلومة من الدين بالضرورة ظاهرة بين المسلمين. ومما يدل عليها قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوا النَّفۡسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ (الأنعام ١٥١)، وحديثُ البخارىّ أن رسول الله ﷺ قال: "إذا التقَى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار. قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه." فقد بيَّن رسول الله ﷺ فى هذا الحديث أنه إذا اقتتل المسلمان أى إذا قصد هذا أن يقتل هذا وقصد هذا أن يقتل هذا وكان كلٌّ منهما طالبًا حظًّا دنيويًّا فكِلا الفريقين يستحقَّان النارَ. فالقاتل فى ذلك ظاهر لأنه قتل نفسا مسلمةً ظلما. أما المقتول فسبب استحقاقه لعذاب الله فى الآخرة هو أنه حمل السلاح وقاتَل المسلم الآخر وكان حريصا على أن يقتله لأجل الدنيا. أما إذا كان أحد المسلمَين طالبَ دنيا والآخر ليس مقاتلا لأجل الدنيا بل هو مظلوم قُصد قتلُه ظلما ولم يجد مَخلَصًا فقاتَل فقُتل أو سَلِم وقَتل المعتدىَ المهاجمَ فلا معصية عليه ولا يكون من الذين قال عنهم رسول الله ﷺ إنهم فى النار. فالرسول إنما قصد بقوله التقى المسلمان بسيفيهما أى أن يكون كِلا الفريقين قتالُه لا للدين بل للدنيا كحال كثير من المتخاصِمِين المتقاتلين فالقاتل والمقتول فى النار.

واعلم أخى المسلم أن كلَّ مسلم يُقتل ظلما فهو شهيد. فقد جاء فى الحديث أن رسول الله ﷺ قال: "مَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومَن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومَن قُتل دون أهله فهو شهيد." روه الترمذىّ. أما من قتل دون ماله فهو كمسلم أراد شخص أخْذَ مالِه ظلما فقاتل دفاعا عن ماله فقُتل فهو شهيد. وأما مَن قُتل دون دينه وهو مسلم فشهادته ظاهرة لا خفاء فى هذا الحكم. وأما مَن قُتل دون دمه فهو كمسلم دافع عن نفسه لرد ظالم، ولو كان هذا الظالم مسلما هجم عليه ليقتله فقاتل دون دمه فقُتل فهو شهيد. وأما مَن قُتل دون أهله فكمسلم دافع عن زوجته ليمنع عنها من أراد الزنى بها قهرا فقُتل دون عِرضه فإن هذا الزوجَ المقتولَ شهيد.

واعلموا إخوتى فى الله أن حرمة المسلم عند الله أشد من حرمة الكعبة. فمن المحزن أن نسمع عن مسلم هنا وهناك قد قتل ظلما وعدوانا وانتهكت حرمته، سواء كان انتقاما للنفس بغير حق أم بسبب العصبية البغيضة نصرة للظالم على المظلوم. فمن العادات القبيحة والأفعال الشنيعة التى نجدها عند بعض الناس عادةُ الأخذ بالثأر على غير ما شرع الله، كالانتقام بقتل أحد أقرباء القاتل أو أكثر من واحد. وشرعنا الحنيف خَيَّرَ أهلَ القتيل فى حالة القتل العمد بين أن يعفُوا عن القاتل مجانا أو على الدية أو أن يقتصُّوا من القاتل دون أقربائه بطريق الحاكم. أما قتل أقربائه فليس لهم ذلك. والقتل الذى يكون بغير طريق الحاكم قد يؤدّى إلى عودة الأخذ بالثأر. ولذلك جعل الشرعُ الطريقَ فى استيفاء هذا الحق بواسطة الحاكم بعد ثبوت القتل بالبيّنة أو بالاعتراف. وأما الأخذ بالثأر بقتل قريب القاتل فإن هذا مما حرمه الله تعالى.

كما أن مما نهى الشرع عنه القتلَ بسبب العصبية المذمومة. قال رسول الله ﷺ: "دعوها فإنها منتنة." ثم قال: "ألا ما بالُ دعوَى أهل الجاهلية؟ ألا ما بالُ دعوَى أهل الجاهلية؟" رواه أحمد. فيُفهم أنه لا يجوز إعانة القريب على قتل مسلم ظلما وعدوانا، ولو كان هذا القريب قد قُتل ولدُه أو أخوه أو أبوه. فليس لك يا عبد الله أن تعين قريبك بدعوى العصبية على قتل ولد القاتل أو أخيه أو أبيه أو غيرهم. إذ ليس فى شرع الله إذا أراد الاقتصاصَ أن يقتصَّ من غير القاتل.

قال عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من دعا إلى عصبية." رواه أبو داود. فالذى يناصر ويعين قريبه أو صديقه أو عشيرته على قتل مسلم برىء بدعوى العصبية يكون فاسقا مرتكبا لذنب من أكبر الكبائر ولا يكون من عباد الله الكاملين. والحرىّ بالمسلم أن يمنع قريبه وينهاه عن قتل الأبرياء، لا أن تحرّكه العصبية الهوجاء فيعينَه على الظلم عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: "انصُر أخاك ظالما أومظلوما." رواه البخارىّ. فمعنى نصْرِه إن كان ظالما فى هذه الحالة منعُه من قتل ابنِ القاتل أو أحد أقربائه ونهيُه عنه.

أقول قولىَ هذا وأستغفر اللهَ لى ولكم.

الحمد لله* والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله* وعلى ءاله وصحبه ومن والاه* أما بعدُ عباد الله فإنى أوصيكم بتقوى الله العظيم.

روى ابن ماجَهْ عن رسول الله ﷺ: "مَن أعان على خصومة بظلم أو يعين على ظلم لم يزل فى سخط الله حتى يَنزعَ." أى أن الإنسان الذى يعين غيره على الظلم لقرابة أو مال أو صداقة فإنه لا يزال فى سخط الله حتى يترك هذا الأمر. فإيَّاكَ والإعانةَ على الظلم وقتل النفس التى حرَّم الله إلا بالحق. فليعن الواحد منا أخاه المظلومَ ولْينْهَ الظالم عن ظلمه.

أخى المسلم، إن مجتمعاتنا تعُجُّ بالمشاكل والمآسى وتكثر فيها جرائم القتل والسرقة وأنواع شتى من المفاسد والبلايا. وكل ذلك بسبب ابتعاد الكثير من الناس عن تعاليم الشريعة الإسلامية. فبهجرهم لها انتشر الفساد وساءت الأخلاق. وهذا يدعونا إلى التمسك بالأخلاق التى جاء بها القرءان الكريم تعلُّمًا وتعليما وعملا.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.

الجمعة فلادلفيا ٢٥ جمادَى الآخرة ١٤٣٨ هـ - ٢٤ ءاذار ٢٠١٧ر

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation