فى أحكام النّـِكاح (٦): واجباتُ الزَّوْجَين وحُقوقُهما

فى أحكام النّـِكاح (٦): واجباتُ الزَّوْجَين وحُقوقُهما

أَحْمَدُ اللهَ الذى خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى* وأُصَلّـِى وأُسلّـِمُ على سيّدنا محمَّدٍ خيرِ مَن حملتْه أنثى* وعلى ءاله وصحبه وكل ولىّ ذكرٍ كان أو أنثى* وبعدُ عبادَ الله اتقوا اللهَ.

قال تعالى: ﴿ يَــأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ (البقرة ١٥٣)

إنَّ عقدَ النكاح يرتّب على كلّ من الزوجين حقوقًا للآخَر. فهناك حقوقٌ تترتب للزوجة يجب على الزوج تأديتُها، وحقوقٌ للزوج يجب على الزوجة تأديتُها.

فمن حقوق الزوجة على الزوج أن ينفق عليها النفقةَ الواجبةَ. من ذلك أمرُ الكُِسوة. فيجب عليه أن يهيئَ لها كُِسوةً فى الصيف وكُسوةً فى الشتاء. ويشمَل ذلك ما تُغطّـِى به رأسَها وما تلبَسُه برِجلها. ويجب عليه أن يؤمّـِن لها المبيتَ اللائق. ولا يجب عليه أن يؤمّـِنَ لها بيتًا واسعا كبيرا ضخما. لكن لا بد من بيت يكون له منافعُه. كذلك يجب عليه الإنفاقُ عليها من حيثُ الطعامُ. وهذه النفقة إنما تجب يومًا بيوم. لا يجب أن يؤمن لها نفقةَ الشهر من أول الشهر، لأنها قد لا تعيش، أو هو قد لا يعيش، أو قد يطلقها، أو يحصل غيرُ ذلك فيما بينهما. لذلك قال العلماء: يجب عليه أن ينفقَ عليها فى فجر كل يوم. كذلك يجب على الزوج أن يُخدِمَ زوجتَه فى بعض الحالات. إذا كانت المرأة ممن يُخدَم فى بيت أهلها وكان هو مستطيعًا لذلك ولم تُسقِط عنه هذا الأمرَ يجب عليه أن يُخدِمَها.

وإذا امتنع عن الإنفاق عليها يُجبره القاضى على ذلك. وإذا عجَز وكانت لا تريد أن تصبرَ معه على هذه الحال، تشكوه إلى القاضى فيمهله القاضى ثلاثةَ أيام. فإن عجَز عن تأمين نفقتها فى خلال هذه الأيام الثلاثة وهى ما زالت تريد أن تنفصل عنه، يطلّـِق القاضى عليه زوجتَه أى يفسَخ نكاحَهما.

ثم إنه ليس واجبا عليها أن تطبخَ له ولا أن تغسلَ له ثوبَه ولا أن تنظّـِفَ له بيته. فإن فعلتْ ذلك بنية حسنة كان لها ثواب من الله. كذلك ليس واجبا عليها إطعامُ الأولاد، حتى إن إرضاعَ الطفل الصغير ليس واجبا عليها. ولها إن شاءت أن تطلب أجرةً مقابل ذلك كما بيَّن ربُّنا فى القرءان الكريم.[1] لذلك قال العلماء لا يجب على المرأة إرضاعُ الولد الصغير إلا إذا كان لا يوجد من يُرضعه غيرُها. ولا يوجد طريقةٌ لتغذيته إلا بأن ترضعَه هى. فلا يجوز فى هذه الحال أن تتركَه حتى يَهلِكَ.

وللزوج على زوجته حقوق أيضا.[2] منها أن لا تصوم النفل إلا بإذنه، وأن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، هذا إذا كان البيت مِلكًا له. وليس له أن يمنعها من الخروج إن أرادت إذا كان البيت ملكا لها أو إن تَشارَكا فى دفع أجرة البيت أو هو دفع أكثر. فلها أن تَخرُجَ من غير إذنه. ولا يمنعُها من زيارة والدَيها مثلا مرة فى الشهر إلا إن كانا يدفعانِها لفعل المعصية. وإن كان والداها بحالة مَرَضِية لا يناسب أن يكونا لوحدهما لا يستطيع أن يمنعها. وله عليها أن لا تُدخلَ بيتَه من لا يحب أن يَدخُل بيته حتى لو كان من أقاربها، حتى لو كان أباها أو أمَّها. ويجب عليها أن تتزينَ له إن طلب منها ذلك، وأن تمتنع من الأمور التى تُنَكّـِد عليه أمرَ الاستمتاع كأن كان يكره رائحةَ الدخان وطلب منها التخلصَ من ذلك يجب عليها ذلك. وله عليها أن لا تمنعَه حقَّه منَ الاستمتاع إلا فى الحال التى يحرُم ذلك، كأن كانت فى الحيض أو النفاس أو كانت مريضةً يضرها ذلك. وفيما عدا مثلِ ذلك حرامٌ عليها أن تمنعَه حقَّه. ففى حديث أبى هريرة قال رسول الله ﷺ: "إذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فراشِه فلم تأتهِ فبات غضبانَ عليها لعنتْها الملائكةُ حتى تُصبِحَ." متفق عليه. فهو من الكبائر. أقول قولِىَ هذا وأستغفر اللهَ لى ولكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه. وبعدُ عبادَ الله اتقوا اللهَ.

ثم قيل[3] إنه عندما زُفَّت فتاةٌ إلى ملِكٍ من ملوك العرب قالت لها أمُّها: أىْ بُنَيَّة، إنَّ النصيحةَ لو تُرِكتْ لذلك منكِ، أىْ إنكِ مَؤَدَّبَة ولستِ فى حاجة إلى نصيحة. ولو أنَّ امرأةً استغنت عن الزوج لِغِنَى أهلِها لكُنتِ أغنى الناس. ولكنَّ النساءَ للرجال خُلِقْنَ ولهنَّ خُلِق الرجالُ. ىا ابنتِى احفظِى عنّـِى عشْرَ خِصال تكونُ لكِ ذُخْرًا:

الأولى والثانية فالمعاشرةُ له بالرّضَى والقناعةِ، وحُسْنُ السمع والطاعةِ.

وأما الثالثة والرابعة فالتفقدُ لمواضع أنفهِ وموقع عينه، فلا تقع عينُه على قبيح ولا يشُمّ منكِ إلا أطيَبَ رِيح.

وأما الخامسة والسادسة فالهُدوءُ عند منامِه والتفقدُ لوقت طعامِه. فإنَّ حرارةَ الجُوع مُلْهِبةٌ وتَنْغِيصَ النَّوْمِ مُغْضِبَةٌ.

وأما السابعة والثامنة فالاحتفاظُ بِمالِه والإرْعاءُ على حَشَمِه[4] وعِياله.

وأما التاسعة والعاشرة فإيَّاكِ أنْ تعصِى له أمرًا أو تُفشِى له سِرًّا. فإنكِ إنْ عَصَيْتِ أمرَه أَوْغَرْتِ صَدرَه، وإنْ أفشَيْتِ سِرَّه لم تَأمَنِى غَدْرَه. وأَعْذَرَكِ بعد ذلك من الفَرَح إن كان تَرِحًا، أو من التَّرَحِ إن كان فَرِحًا.

قال الشيخ عبدُ الله رحمه الله ناصحًا إحدى أخواتنا: كونى لَيّـِنَةً بيد زوجك. اخفِضِى صوتَك أمامه وكأنكِ عند ملِك من الملوك. حق الزوج عند الله عظيم. خالفى نفسَك بالتواضع معه. اهـ فينبغى للزوجة أن تطيع زوجها فى غير معصية الله. عن أُمّ سَلَمَةَ رضِىَ الله عنها قالتْ: قال رسُولُ الله ﷺ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الجَنَّةَ." رواه الترمذىُّ وقال: حديث حسنٌ. وصحَّحه الحاكم.

وسنذكر إن شاء الله مزيدا من أحكام النكاح فى خطبتنا القادمة. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.



[1] قال الله تعالى: ﴿ فإن أرضعْن لكم فآتوهُنََّ أجورَهنََّ وأتَمِروا بينَكم بمعروفٍ وإن تعاسَرْتم فستُرضِعُ له أخرَى ﴾ (الطلاق ٦) ﴿ وإن أردتُم أن تسترضِعوا أولادَكم فلا جُناحَ عليكم إذا سلَّمتُم ما ءاتيتُم بالمَعروف ﴾ (البقرة ٢٣٣)

[2] فى المستدرك من حديث عائشة: "أَعْظَمُ الناس حقًّا على المرأةِ زَوْجُهَا. وأَعْظَمُ الناس حقًّا على الرَّجُلِ أُمُّهُ." صحَّحه الحاكِم وغيرُه.

[3] هذه القصة تروى بألفاظ مختلفة وزيادات وأسماء مختلفة.

[4] وحُشْمَةُ الرجل وحَشَمُهُ وأَحْشامُهُ: خاصَّتُهُ الذين يغضبون له من عبيدٍ أَو أَهلٍ أَو جِيرةٍ إذا أصابه أَمر؛ عياله وقرابته. الأَزهري: والحَشَمُ خَدَمُ الرجل، وسُمُّوا بذلك لأنهم يغضبون له. من لسان العرب

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn