فضَائِلُ الحجِ والحثُّ علَى درسِ أحكامِ الحجِ

إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، القائل في محكم التنـزيل ﴿وأذِّنْ في الناسِ بالحجِّ يأتوكَ رجالاً وعلى كلِّ ضامِرٍ يأتينَ من كلِّ فج ٍعميقٍ﴾ سورة الحجّ /27.

وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه إمامُ الأنبياءِ والمرسلينَ صلواتُ اللهِ وسلامُه على كلِّ رسولٍ أرسلَهُ. أما بعد فيا عبادَ اللهِ أوصي نفسيَ وأوصيكم بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ اتقوا اللهَ حقَّ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمونَ. يقولُ اللهُ تعالى: ﴿وللهِ على الناسِ حِجُّ البيتِ منِ استطاعَ إليهِ سبيلاً ومن كفَرَ فإنَّ اللهَ غنيٌّ عنِ العالمينَ﴾ سورةُ ءالِ عمران/97.


ويقولُ صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ اغفِرْ للحاجِّ ولمنِ استغفَرَ لهُ الحاجُّ" بدأَتْ القوافلُ تتحضَّرُ لسفَرٍ وما أعظمَه من سفرٍ، سفرِ الطاعةِ، سفرٍ وفراقٍ للأحبةِ وللوطنِ وللأولادِ والأهلِ ولكن إلى أينَ ؟ إلى بلدِ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم، الذي هو والله أغلى من الأحبةِ والأولادِ والأهلِ وإلى البلدِ الذي وُلِدَ فيهِ الحبيبُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، سفرٍ إلى مكةَ والمدينةِ وإلى منًى وعرفةَ ومزدلفةَ، في هذهِ الأيامِ تثورُ في نفوسِ كثيرٍ من المسلمينَ نوازعُ الشوقِ فيتوجَّهونَ مِنْ كلِّ حدَبٍ وصوبٍ من أطرافِ المعمورةِ قاصِدينَ الديارَ المقدسةَ بلادَ الهُدى والنورِ ومَهْدَ نُزولِ الوحيِ على نبيِّنا الأمينِ صلى الله عليه وسلم، مُهلِّلِينَ ومُكبِّرينَ يُردِّدونَ خاشِعين "لبيكَ اللهمَّ لبيك، لبَّيك لا شريكَ لكَ لبيكَ إنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والملك، لا شريكَ لك".

وقد حُكيَ أنَّ امرأةً دخلَت مكةَ فجعلَت تقولُ: أينَ بيتُ ربِّي؟ فقيلَ لها: الآنَ ترينَه فلمَّا لاحَ لها البيتُ وقالوا هذا بيتُ ربِّكِ فاشتدَّتْ نحوَه فأَلْصَقَتْ جبينَها بحائطِ البيتِ فما رُفِعَت إلا مَيِّتَة. فما أجملَها مِنْ لحَظاتٍ إخوةَ الإيمانِ عند وقوعِ البصرِ على البيتِ فقد جاءَ أنه يستجابُ دعاءُ المسلمِ عندَ رؤيةِ الكعبةِ. ثم إنَّ الحجَّ أمرٌ من جملةِ أمورِ الإسلامِ المهمةِ كالصلاةِ والصيامِ والزكاةِ، وقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لِما بينَهما والحجُّ المبرورُ ليسَ له جزاءٌ إلا الجنة". وقد جعلَ اللهُ للحجِّ المبرورِ مزيةً ليست للصلاةِ ولا للزكاةِ وهي أنهُ يكفِّرُ الكبائرَ والصغائرَ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حجَّ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ خرجَ من ذنوبِه كيومَ ولدَتْه أمُّه". فهنيئًا لمن حجَّ وكان حجُّه مبرورًا لذلكَ احْرِصْ أخي المسلم إن كنتَ قاصِدًا الحجَّ هذا العامَ على حضورِ مجالسِ علمِ الدينِ التي تقيمُها جمعيةُ المشاريعِ الخيريةِ الإسلاميةِ لتعلُّمِ أحكامِ الحجِّ، مجالس العلم التي ارشدك إلى كيفية تأدية المناسك والشعائر بصورة صحيحة، حتى يكون حجك صحيحًا مقبولاً مبرورًا بإذن الله، فهذا هو الأساس: العلم قبل العمل. كثير من الناس يحرصون أشد الحرص على التزود بالثياب، وحجز غرف مريحة ووسائل تنقل مريحة والطعام الجيد، وحقائب السفر الواسعة، ومصروف الرحلة، والهدايا والصور...، إلى ما هناك، ولا تجد عندهم حرصًا على تعلم أداء المناسك أداء سليمًا فهؤلاء يصدق عليهم قول بعضهم: "ما أكثرَ الضجيجَ وما أقلَّ الحجيجَ". والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قد بين أن بعض العبادات لا تصح من صاحبها ولو أتعب نفسه فيها، فكأنه ما قام بهان فقال صلى الله عليه وسلم: "رب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش". والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿وتزودوا فإن خير الزاد التقوى﴾. سورة البقرة/197.

قبلَ سفرِك تزوَّدْ من العلمِ والمعرفةِ قبلَ زادِ الطعامِ والثيابِ وغيرِ ذلكَ. وكعادتِها جمعيةُ الهدى والعلمِ والأنوارِ والخيراتِ والبركاتِ أي جمعيةُ المشاريعِ الخيريةِ الإسلاميةِ ستُقيمُ بإذنِ اللهِ في هذا المصلى دروسًا تعليميةً عن أحكامِ الحجِ والعمرةِ فأقبِلوا وأرشِدوا أيضًا مَن مِنْ أهلِكم وأقربائِكم يريدُ السفرَ للحجِّ هذا العامَ، وقد قالَ العالمُ الجليلُ عبدُ اللهِ الحدادُ الحضرميُّ الملقَّبُ بالفقيهِ المقدمِ: إنَّ من تكلَّفَ الحجَّ شوقًا إلى بيتِ اللهِ وحِرصًا على إقامةِ الفريضةِ إيمانُه أكملُ وثوابُه أعظمُ وأجزَلُ، لكن بشرطِ أن لا يُضيِّعَ بسببِه شيئًا منَ الفرائضِ، وإلا كانَ ءاثِمًا واقعًا في الحرجِ كمَنْ بنَى قَصرًا وهدَمَ مصرًا. وهذا كمَن يُضيِّعُ النفقةَ الواجبةَ فليسَ لمن لا مالَ له يكفِيهِ للحجِّ ونفقةِ أهلِه الواجبةِ عليهِ كزوجتِه وأطفالِه الصغارِ أن يترُكَ أهلَه بلا نفقةٍ ويعرِّضَهم للتَّلفِ بالجوعِ ونحوِه ويذهبَ للحجِّ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرءِ إِثْمًا أن يُضَيِّعَ من يقوتُ".

وهذا عبدُ اللهِ بنُ المبارك الذي كان يحجُّ كلَّ عامينِ مرةً، في عامٍ من أعوامِ حجِّه في سفرِه إلى الحجِّ وجدَ في مغارةٍ امرأةً تلتقطُ هرةً وتذبحُها للأكلِ، فذكَّرَها بالآيةِ الكريمةِ: ﴿إنما حرَّمَ عليكم المَيتةَ والدمَ ولحمَ الخنزيرِ وما أُهِلَّ بهِ لغيرِ اللهِ﴾ سورةُ البقرة/ 173، فأجابَته بباقِي الآيةِ: ﴿فمنِ اضطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه إنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ﴾ فلما علمَ بأنَّها مضطرةٌ لتطعمَ أولادَها الجياعَ الذين عضَّهم الجوعُ بنابِه وشارَفوا على الهلاكِ ولم يجِدوا ما سوى الميتةِ أعطاها ما كانَ معَه من مالٍ وطعامٍ إلا ما يكفيهِ للرجوعِ إلى بلدِه ولم يحُجَّ تلك السنةَ، فلما رجعَ الناسُ منَ الحجِّ جاءوا يهنِّئونَه بالحجِّ فقالَ لهم إنه لم يتيسَّرْ له هذهِ السنةَ فقالوا له كيفَ هذا وقدِ اجتَمَعْنا بكَ ورأيناكَ في عرفاتٍ وعندَ الكعبةِ وفي منًى والمسعى ..... فقالَ أهلُ العلمِ هذا مَلَكٌ أُرسِلَ بصورتِه فحجَّ عنهُ.

فانظروا رحمكم اللهُ إلى من قدَّمَ الأَوْلى فالأولى وقدَّم أمرَ الضروراتِ على المستحبَّات

خـذِ الـعِـبَــرْ مـمـَّنْ عَـبَــرْ

نـالَ الـظَّـفَــرْ مـن قَـد صـبَـرْ

وزاده تقـواه

اللهم فقِّهْنا في دينِنا وارزُقْنا الحجَّ والعمرةَ وزيارةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

الخُطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ . عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ، واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، ، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ .

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn