حقُّ المسْلمِ علَى المسْلمِ

الحمدُ للهِ ثم الحمدُ لله الحمدُ لله الواحدِ الأحدِ الفَردِ الصمد الذي لم يَلِد ولم يُولد ولم يكن له كُفُوًا أحد. أَحمدُهُ تعالى وأستهدِيه وأشكُرُه وأتوبُ إليهِ وأَستَغفِرُهُ وأعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا من يهدِهِ اللهُ فهو المهتد ومن يُضلِل فلن تجدَ لهُ وليًا مرشِدًا والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سَيدِنَا محمدٍ سيِّدِ ولدِ عدنان أرسَلَهُ اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللهِ بإذنِهِ سراجًا وهاجًا وقمرًا منيرًا فهدى اللهُ بِه الأمة وكشَفَ بِهِ عنها الغُمَّةَ وبلغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ وَنَصَحَ الأمة فجزاهُ الله عنا خيرَ ما جَزى نبيًا مِن أَنبيائِهِ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريك له وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبده ورسولُهُ وصَفِيُهُ وخَلِيلُه صلى الله عليه وعلى كل رسولٍ أرسلَه. أما بعدُ أيها الأحبةُ المُؤمنونَ أوصِي نفسِي وإياكُم بتقوَى اللهِ العظيمِ والثباتِ على هذا الدّينِ القَويمِ يقولُ الله تعالَى في القرءانِ الكريمِ: ﴿وَافعَلُوا الخيرَ لعلَّكُم تُفلحُونَ﴾.

إِخوةَ الإيمانِ، نحنُ معكمُ اليومَ لنُكملَ شرحَ حديثِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "حقُّ المسلمِ علَى المسلمِ ستٌّ إذَا لقِيتَه فسلِّمْ عليهِ وإذَا دعاكَ فأجبْهُ وإذَا استنصَحَكَ فانصَحْ لهُ وإذَا عطَسَ فحمِدَ اللهَ فشمِّتْهُ وإذَا مرِضَ فعُدْهُ وإذا ماتَ فاتْبَعْهُ". الحقُّ الرابعُ منْ حقِّ المسلمِ على المسلمِ «إذَا عَطَسَ فحَمِدَ اللهَ فشَمِّتَهُ» والتسْمِيتُ كالتشْمِيتِ الدعاءُ له بالخيرِ والبركةِ، فإذَا قالَ العاطِسُ: الحمدُ للهِ، فلْيقُلْ لَهُ المشمِّتُ: يَرحمُكَ اللهُ، ولْيرُدَّ عليهِ العاطِسُ بقولهِ: يهديكُمُ اللهُ ويُصلحُ بالَكُمْ؛ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الحَمْدُ للهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» وإذَا لم يقلِ العاطسُ الحمدُ للهِ فلا يُشَمَّتْ؛ لِما ثبتَ في الصحيحِ أنَّ رجلينِ عطسَا عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فشمَّتَ أحدَهما ولم يشمِّتِ الآخَرَ، فقَالَ الرجلُ يا رسولَ اللهِ، شَمَّتَّ هذَا ولمْ تُشَمِّتنِي، قالَ: «إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللهَ وَلَمْ تَحَمَدِ اللهَ»، وإنمَا يَحْمَدُ العَاطِسُ اللهَ عِنْدَ العُطَاسِ لأنَّ العُطَاسَ نِعْمَةٌ عظيمَةٌ إذْ هُوَ وسيلَةٌ لإخرَاجِ الأبْخِرَةِ المُحْتَقَنَةِ في الدِّمَاغِ مَا عسَاهُ يَضُرُّ لوْ بقِيَ في الدِّمَاغِ، فإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ نعمَةَ ربِّهِ حِينَئذٍ وحمِدَه علَى هذِه النِّعمةِ كانَ حقّاً علَى منْ سمِعَه أنْ يدعُوَ له بالرحمةِ لأنَّهُ أهلٌ لَهَا، ولا شكَّ أنَّ هذَا منَ التراحُمِ بينَ المؤمنِ وأخيهِ المؤمنِ وِمنْ ذكرِ اللهَِ وعبادتِهِ والتعاونِ على البرِ والتقوَى.

وينبغِي للعاطِسِ أن يضعَ يدهُ أو ثوبَه على فمِهِ، وأن يخفِضَ صوتَه حتَّى لا يُؤذِيَ جليسَه، وينبغِي للجلِيسِ أن يُشمِّتَهُ ولوْ عطِسَ مِراراً ما دامَ يقولُ في كلِّ مرةٍ الحمدُ للهِ مَا لمْ يكنْ مزْكُوماً فيكتفِي بثَلاثِ مراتٍ فقطْ ثم يدعُو له بالعافيةِ، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «إذَا عطَسَ أحدُكُم فَليُشَمِّتْهُ جلِيسُهُ فإذَا زَادَ علَى الثلاثةِ فهوَ مزكومٌ ولا تُشَمِّتْهُ بعدَ الثَّلاثِ» وكانَ اليهودُ يتعاطَسُونَ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فيدعُو لهمْ بالهدايةِ فلا بأسَ بالدعاءِ لغيرِ المسلمِ بالهدايةِ قاصِداً هدايتَه للإسْلامِ.

إخوة الإيمان، أما الحقُّ الخامسُ من حقوقِ المسلمِ علَى المسلمِ عِيادَتُهُ إذَا مَرِضَ، وهوَ ما أشارَ إليهِ الحبيبُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بقولِهِ: «إذَا مَرِضَ فَعُدْهُ» والأصلُ فيهِ توثِيقُ عُرَى المحبةِ بينَ المسلِمينَ. ويتأكدُّ طلبُهَا بينَ ذوِي القُرْبَى وهيَ نافعَةٌ للعائِدِ الزائرِ لأنها تُذكِّرُهُ بمصِيرِه ونافِعَةٌ للمريضِ لأنَّها تُرَوِّحُ عنهُ وتُسلِّيهِ، ومنْ ءادابِها أنْ يُنَفِّسَ الزائرُ للمريضِ فِي أجلِهِ (التَّنفِيسُ: السَّعَةُ فِي الأمرِ) ويُبَشِّرَهُ بسرعةِ العافيةِ وطولِ العمُرِ لقولِهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ فيمَا رواهُ الترمذِيُّ: «إذَا دخلتُمْ علَى المريضِ فنَفِّسُوا لهُ فِي الأجلِ فإنَّ ذلكَ لا يرُدُّ شيئاً وهوَ يطيِّبُ نفسَ المريضِ» وكانَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلمَ يعودُ منْ مرِضَ منْ أصحابِهِ ويقولُ للمريضِ: كيفَ تجِدُك؟ ويدعُو اللهَ لهُ ولا يُطيلُ الجلوسَ عندَهُ، فينبغِي مُراعَاةُ هذهِ الأمورِ عندَ الزيارةِ ومن ءادابِ الزيارةِ أيضاً أن يتحدَّثَ إلى المرِيضِ بما يشرَحُ صدرَهُ وإذا سألَهُ عنْ مرضِهِ فلْيُهوِّنْ عليهِ أمرَ هذا المرضِ وأنهُ قريبُ الزوالِ بإذنِ اللهِ وأنَّ الشفاءَ منهُ غالبٌ أو عامٌ ويجتنِب كثرةَ الكلامِ وطولَ الجلوسِ وتهويلَ أمرِ المرضِ، وإذا دخلَ على الرجلِ وهو علَى فراشِ الموتِ فلْيبشِّرْهُ ليلقَى ربَّه وهوَ حَسنُ الظنِّ ويُلقنْهُ الشهَادةَ ولا يضْجرْهُ، وينبغِي أن يطلبَ الزائرُ من المريضِ الدعاءَ لهُ، وحَسْبُ الزائرِ منَ الثوابِ أنَّ الملائكةَ تستغفرُ لهُ، وأنهُ في رحمةِ اللهِ حتَّى يرجِعَ كمَا وردَ في الصحيحِ. وأنه يكونُ له بستانٌ في الجنةِ.

أما الحقُّ السادسُ الذِي ذكرَهُ النبيُّ العظيمُ صلَّى الله عليه وسلَّمَ فهوَ: اتِّبَاعُ جنازةِ المسلمِ إذا ماتَ فقالَ الصادِقُ المصدُوقُ: «وَإذَا ماتَ فاتْبَعْهُ» والمشَيِّعُ للجنازةِ لهُ منَ الأجرِ مثلُ جبلِ أُحُدٍ فقدْ روَى البخاريُّ عنْ أبِي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلمَ قالَ: «منِ اتَّبَعَ جنازةَ مسلمٍ ايماناً واحتساباً وكانَ معهُ حتَّى يصلَّى عليهَا ويُفرَغَ من دفنِهَا فإنهُ يرجعُ من الأجرِ بِقِيرَاطيْنِ، كلُّ قِيراطٍ مثلُ أُحُدٍ، ومن صلَّى عليهَا ثمَّ رجعَ قبلَ أنْ تُدفَنَ فإنهُ يرجعُ بقيراطٍ» ومعلومٌ أنَّ تشيِيعَ الجنازةِ فرضُ كفايةٍ متَى قامَ بهِ بعضُ المسلمينَ سقطَ عنِ الباقِينَ وذلكَ من أجلِ دفنِهِ فِي مقابرِ المسلِمينَ، وينبغِي لهُ أن يكونَ عندَ السيرِ معَ الجنازةِ بذكرِ اللهِ تعالَى مُتفكِّراً بِمَا يلقاهُ الميتُ، وأنَّ هذِهِ هيَ عاقبةُ أهلِ الدنيَا ومصيرُهُم فلا يغتَر بهَا ولا يركَن إليهَا، ولا بأسَ بقولِ المشيِّعِينَ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، ولا عبرةَ بقولِ الوهابيةِ الذينَ يحرمُونَ قولَ لا إلهَ إلا الله عندَ اتِّبَاعِ الجنائزِ وهذهِ خِزيةٌ أخرَى تضافُ إِلى مخَازِيهِم. والسنَّةُ الإسراعُ بهَا وبدفنِهَا فقدْ جاءَ في الصحِيحَيْنِ أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «أَسرِعُوا بالجنازةِ فإنْ تكُ صَالِحَةً فخيرٌ تقدمُونَهَا إليهِ وإنْ تكُ سوَى ذلكَ فشرٌ تضعونَهُ عنْ رقابِكُم»، فيُسنُّ للرِّجالِ المشيُ خلفَ الجنائزِ والمرادُ المشيُ المتوسطُ الذِي لا يوصَفُ بالجريِ فإنَّهُ يُذهِبُ الخشوعَ، ويمشِي ساكتاً مُطرِقاً مفكِّراً في رهبةِ الموتِ ومصيرِه فإنَّ المقامَ مقامُ عِظةٍ واعتبارٍ، واتِّباعُ الجنائزِ ومشاطرةُ أهلِ الميتِ حزنَهُم، ومشارَكتُهُم فِي دفنِها والصلاةِ عليهَا ومواساتُهُم منْ حق المسلمِ على المسلمِ لأنَّها مما يُقوِّي روابطَ المحبةِ بينَ المؤمنِ وأخيهِ المؤمنِ وفيهِ ثوابٌ وذكْرَى ومُجَاملةٌ، فعسَى أنْ نتَدبَّرَ جميعاً هذه الحقوقَ الَّتِي علمنَا إياهَا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلمَ حتَّى نعودَ فنشعرَ كمَا كانَ الأوائلُ بأنَّنَا جسدٌ واحدٌ إذا اشتكَى منهُ عضوٌ تداعَى لهُ سائرُ الأعضاءِ بالسَّهرِ والْحُمَّى. اَللهمَّ أَصْلحْ شَأنَنَا وثبِّتْنَا علَى اتِّبَاعِ سُنَّةِ نبِيِّكِ المصْطفَى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. أقولُ هذَا وأسْتغفِرُ اللهَ لِي ولكُم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفُوا أحد. واعْلَمُوا بأنّ اللهَ أَمَرَكُم بأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُم بالصّلاةِ على نبيِّهِ الكريمِ فَقَالَ : ﴿إنّ اللهَ وملائِكَتَهُ يُصلّونَ على النّبيِ يا أيُّها الذينَ ءامَنُوا صلّوا عَلَيْهِ وَسلِّمُوا تَسْليماً﴾ الصلاةُ والسلامُ على سيدِنا أحمدَ صلَّى الله عليهِ وعلَى جميعِ إخوانِه الأنبياء والمرسلين، أما بعد عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ في السرِّ والعلنِ ، اللَّهمَّ يا ربنَا إنَّا دعوناكَ فاستجِبْ لنا دُعاءَنا فاغفِرِ اللهمَّ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحيَاءِ منهم والأموَاتِ إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكر والبغيِ يعِظُكم لعلكم تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكم واشكروهُ يزِدْكم، واستغفِروهُ يغفِرْ لكم واتَّقوهُ يجعلْ لكمْ من أمرِكم مخرَجًا، وأقمِ الصلاة.

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn