Friday, 29 March 2024
A+ R A-

الهجْرةُ النبوِيةُ الشرِيفةُ

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَـيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند ولا صورة ولا هيئة ولا أعضاء ولا أدواتِ ولا جسم ولا مكان له، جل ربي وتنَزَّه عن ذلك كله، فهو القائل في محكم التنْزيل: ﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ الآية. سورة النحل / 74. وأشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وَحبِيبَنا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنا وَقُرَّةَ أَعيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبيائِه. الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا أبا القاسم، أبا الزهراء، يا حب قلبي وروحي وفؤادي يا محمد، يا قرة عيني يا محمد، الصلاة والسلام عليك وعلى جميع إخوانك من النبيين والمرسلين وءال كل وصحب كل الطيبين الطاهرين.

أما بعد عباد الله، فإِنِّي أُوصِيكُم ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كتابِه: ﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ سورة التوبة/40. بعدَ ثلاثَ عَشرةَ سنةً من مَبْعَثِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم قضاهُنَّ في الدعوةِ إلى دينِ اللهِ تبارَكَ وتعالى أُذِنَ لهُ بالهجرةِ إلى يَثْرِب، وكانَ قبلَ ذلكَ أُوذِيَ أذًى شَديدًا وأُوذِي أصحابُه الكرامُ في مكةَ وأُوذِي ياسرٌ وزوجُه سُمَيَّةُ وابنُه عمارٌ وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ بِهِم وهم يُعَذَّبونَ ويقولُ: اللهمَّ اغْفِرْ لآلِ ياسرٍ. وانْصَبَّ أَنْوَاعُ العذابِ على المُسْتَضْعَفِينَ صَبًّا، وتَجَرَّعُوا مَرارَاتِ الصَّبرِ على أنواعِ العَذابِ مِنَ المشركينَ إلى أن جاءَ الأمرُ الإلهيُّ بالهجرةِ إلى المدِينةِ المنوَّرةِ التي نوَّرها اللهُ تعالى بِنورِ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ فخَرَجُوا فِرَارًا بِدينِهم مِنْ أَذَى المشرِكِينَ، خرَجُو جَماعاتٍ مُتَتَابِعينَ، ووحدَانا وَفُرادَى، تَنْفِيذًا لأمرِ اللهِ تعالَى.

تَعَالَوا بعدَ ذلكَ معاشِرَ أمة محمد صلى الله عليه وسلم لنَتَحَدَّثَ عن قصةِ هِجْرَةِ النبيِّ الأعظمِ صلى الله عليه وسلم ومعَهُ صاحِبُه الصِدّبقُ رضي الله عنه.

لقد رَوَى علماءُ السيرِ أنَّ أبا بكرٍ الصديقَ رضيَ اللهُ عنه لما وَجَدَ إخوانَه المسلِمينَ قد تتابعُوا مُهاجِرينَ إلى المدينةِ المنورةِ، جاءَ هو الآخرُ يستأذِنُ حَبِيبَه رسولَ اللهِ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه في الهجرةِ، فقالَ له النبيُّ العظيمُ صلى الله عليه وسلم: "على رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرجو أن يُؤْذَنَ لِي"، فقالَ أبو بكرٍ: "وهل تَرجُو ذلكَ بأبِي أنتَ وأمِّي"؟ فقال عليه الصلاةُ والسلام: "نعم"، فحَبَسَ أبو بكرٍ رضي الله عنه نفسَه على رسولِ اللهِ لِيَصْحَبَ حبيبَه المصطفى في هذه الهجرةِ المباركةِ، وعَلَفَ راحِلَتَيْنِ كانَتا عِنْدَه وأَخَذَ يَتَعَهَّدُهُما بِالرِّعَايَةِ أَرْبَعَةَ أَشهُرٍ، وفي هذهِ الأَثناءِ رَأَتْ قُريشٌ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صارَ لَهُ أَنْصَارٌ وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِهم بِغَيْرِ بَلَدِهِم، وَخَافُوا خُرُوجَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إليهِم فاجتَمَعُوا لِهَذَا الأَمْرِ الذِي أَهَمَّهُمْ في دارِ النَّدوةِ حيثُ كانَتْ قريشٌ لا تَقْضِي أَمْرًا إلاَّ فيهِ وَصَارُوا يَتَشَاوَرُونَ فيمَا يَصْنَعُونَ بأمرِ الرسولِ، واجتَمَعَ رأيُهُمْ أَخِيرًا على قتلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكانَتْ مُؤامَرَتُهُم تَقْضِي أَنْ يأخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبيلَةٍ شَابًّا قَوِيًّا جَلْدًا، ثُمَّ يُعطَى كُلٌّ منهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَعْمَدُوا إليهِ فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَقْتُلُوهُ وَيَتَفَرَّقُ دَمُهُ بينَ القَبَائِلِ ولا يَقْدِرُ عَشِيرَتُهُ بَنُو عَبدِ مَنَافٍ عَلَى حَربِهم جميعًا. وأتَى جبريلُ عليهِ السلامُ مَلَكُ الوَحْيِ وأخبَرَهُ بِكَيْدِ المُشرِكِينَ وَأَمَرَهُ بأَنْ لا يَبِيتَ في مَضْجَعِهِ وَفِرَاشِهِ تلكَ الليلةَ.

ولَمَّا جَاءَ الإذنُ وَالأَمْرُ مِنَ اللهِ تعالَى لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بالخُروجِ والهِجْرَةِ إلَى المدينَةِ المنوَّرَةِ المبارَكَةِ انطلَقَ النبيُّ الأَعْظَمُ صلَّى اللهُ عليه وسلم إلى مَنْزِلِ رَفيقِهِ وَحبيبِهِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ لِيَكونَ صاحِبَهُ في هذهِ الرحلةِ الْمَيْمُونَةِ والهجرَةِ المُبارَكَة.

تقولُ السَّيدةُ الجَلِيلَةُ عائشَةُ رَضِيَ اللهُ عنهَا زوجُ النبيِّ الأعظَمِ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ: "بينَا نَحْنُ يَوْمًا جُلوسٌ في بَيْتِ أبي بَكْرٍ في حَرِّ الظَّهيرَةِ، قالَ قَائِلٌ لأبِي بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ: "هذا رَسُولُ اللهِ مُتَقَنِّعًا، في سَاعَةٍ لم يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا". فقالَ أبو بَكرٍ: "فِدا لَهُ أبِي وَأُمِّي، ما جَاءَ بهِ في هذهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ"، فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي بِالخُروجِ". فقالَ الصِّديقُ أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه وكلُّه شَوْقٌ وَهُيامٌ وَوَلَعٌ بحبيبِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: "الصُّحبةَ يا رَسولَ اللهِ"، فقالَ رسولُ اللهِ: "نعَمْ". قَالَتْ عائِشَةُ رضي اللهُ عنها: "فجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجِهَاز، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً في جِراب". وَشَقَّتْ أسماءُ بنتُ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهَا نِطَاقَهَا قِطْعَتَيْنِ فَأَوْكَأَتْ بِقِطْعَةٍ مِنْهُ الجِرابَ، وشَدَّتْ فَمَ الجِرابِ بالبَاقِي فَسُمِّيَتْ لِذَلِكَ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.

انطلَقَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في رِحْلَتِهِ المُبارَكَةِ معَ حَبيبِه الوَفِيِّ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه حتى وصَلا غَارَ ثَوْرٍ لِيُقِيمَا فِيهِ، وَدَخَلَ الصِّدِّيقُ أبو بكرٍ قبلَ الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لِيَنْظُرَ أفيهِ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ لِيَقِيَ النبِيَّ الأعظَمَ صلى الله عليه وسلم بنفسِهِ، وكانَ في الغارِ عِدَّةُ ثُقُوبٍ فَجَعَلَ الصِّدِّيقُ يَسُدُّ الثُّقوبَ بِثَوْبِهِ وَبَقِيَ ثُقْبٌ واحِدٌ فَسَدَّهُ رَضِيَ الله عنه برجلِهِ لِيَحْمِيَ حَبِيبَهُ وَقُرَّةَ عَيْنِه مُحَمَّدًا خيرَ مَنْ وَطِئَ الثَّرَى، فَلَسَعَتْهُ الأَفْعَى في رِجْلِه، فَمَا حَرَّكَها وَمَا أَزَاحَها، وَبَكَى رَضِيَ اللهُ عنهُ فَنَزَلَتْ دَمْعَتُهُ الْمُبَارَكَةُ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم خيرَ الأَنَام وأَيْقَظَتْهُ، فقَامَ علَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وَمَسحَ بِرِيقِهِ الطَّاهِرِ المُبَارَكِ على مَكانِ اللسْعِ فَشُفِيَ أبو بَكْرٍ بِإِذْنِ اللهِ.

وانطلَقَ المشركونَ كَالوُحُوشِ الكَاسِرَةِ يَنْتَشِرُونَ في طَريقِ المدينَةِ المُنَوَّرَةِ بعدَ أَنْ عَلِمُوا بِخُروجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُفَتِّشُونَ عَنْهُ وَعَنْ صَاحِبِهِ، حَتَّى وَصَلُوا الغَارَ.

وَحَمَى اللهُ تعالَى حَبيبَهُ بِخَيْطِ العَنْكبوتِ أَوْهَنِ البُيوتِ، وَجَاءَتْ حَمَامةٌ بَاضَتْ على فَمِ الغَارِ فَأَعْمَى اللهُ تعالَى أَبْصَارَ المُشْرِكينَ عَنْ رُؤْيَةِ المُصْطَفَى، وَسَمِعَ الرسولُ العظيمُ صلى الله عليه وسلم وصاحبُهُ أَقْدَامَ المشركينَ تخفقُ مِنْ حَولِهم، فأخَذَ الرَّوْعُ والخوفُ أبَا بَكْرٍ على حبيبِه الرسولِ عليه السلامُ وَصَارَ يَهْمِسُ يُحَدِّثُ قُرَّةَ عَيْنِهِ مُحَمَّدًا وَيَقُولُ لَهُ: "يَا رسولَ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنا"، فأجابَهُ النبيُّ المُتَوَكِّلُ علَى خَالِقِهِ ومولاه: "يَا أبا بَكرٍ ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثالِثُهُمَا" أي نَاصِرُهُما. فَإِنَّ التَّحَيُّزَ في الجِهَةِ والمكانِ مِنْ صِفَاتِ المَخْلُوقِ أمَّا رَبُّنَا فَهُوَ مَوْجُودٌ بِلا مَكانٍ وَلا جِهَةٍ.

ولَمَّا انْصَرَفَ المُشْرِكُونَ عَنِ الغَارِ خَرَجَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر برعايَةِ اللهِ وعِنايَتِهِ وتابَعَا طريقَهُمَا إلى المدينَةِ المنوَّرَةِ. وهناكَ في المدينَةِ، هناك في طَيْبَةَ يَنْتَظِرُ المؤمنُونَ مِنْ مُهَاجِرينَ وَأَنْصَار بِلَهَفٍ وَشَوْقٍ وصولَ الحبيبِ يَوْمًا بَعْدٍ يومٍ إلَى أن تَبَدَّا لَهُمْ بِمُحَيَّاهُ الجَمِيلِ وَلِسَانِ حَالِهِم يَقُولُ:

طَلَعَ البَدْرُ عَلَيْنا مِنْ ثَنِيَّاتِ الوَدَاعِ

وَتَلَقَّى المسلِمُونَ مِنْ أَنْصَارٍ وَمُهَاجِرِينَ رسولَ اللهِ أَحْسَنَ استقبَال، فَخَرَجُوا في الطُّرُقِ وعلى السُّطوحِ مُبْتَهِجِينَ، وَانْتَشَرَ الخَدَمُ وَالصِّبيانُ في الطَّريقِ يَهْتِفونَ "اللهُ أكبر، جَاءَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، جاءَ مُحمد". ثم نَزَلَ النبيُّ في دارِ أبي أيوبَ الأنصاريِّ واسمُهُ خَالِدُ بنُ زَيدٍ.

واسمَعُوا إِخْوَةَ الإيمانِ إلَى قَوْلِ أبِي أيوبَ الأنصارِيِّ الصَّحابِيِّ الجَلِيلِ: "وَكُنَّا نَصْنَعُ لَهُ العَشَاءَ، ثُمَّ نَبْعَثُ بهِ إليهِ، فَإِذَا رَدَّ علينَا فَضْلَهُ تَيَمَّمْتُ، أي قَصَدْتُ، أَنَا وَأَمُّ أَيُّوبَ مَوْضِعَ يدَهُ، فأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ البَرَكَة". تَأَمَّلْ أخِي بِتَدَبُّرٍ في تَبَرُّكِ أبي أيوبَ وزَوجِه رضي اللهُ عنهُما بِآثارِ أصابِعِ رسولِ اللهِ في قَصْعَةِ الطَّعامِ التِي كانَ يأكُلُ منهَا الرسولُ الأعظَمُ ولَمْ يُنْكِرِ النبيُّ عليهِمَا ذلك وكانَ في هَذَا أَبْيَنُ البَيَانِ عَلَى جَوَازِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّه أمرٌ مَشْرُوعٌ في الشريعَةِ الإسلاميَّةِ كمَا قالَ الأئمةُ الأَعْلام.

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الصحابَةَ كانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِآثَارِ النبيِّ في حَيَاتِهِ وبعدَ مَمَاتِهِ وَجَوَازُ هَذَا يُعْرَفُ مِنْ فِعْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِقْرَارِهِ وذلكَ أنهُ عليهِ السَّلامُ قسَّمَ شعرَهُ وأَظْفَارَهُ بينَ النَّاسِ لِيَتَبَرَّكُوا بِهِمَا وَلَيَسْتَشْفِعُوا إلَى اللهِ بِمَا هُوَ مِنْهُ وَيتَقَرَّبُوا إلَى الهِا بِذَلِكَ، قَسَمَهُ بينهُمْ لِيَكُونَ بَرَكَةً باقِيَةً بينَهُم وَتَذْكِرَةً لَهُمْ، ثُمَّ تَبِعَ الصحابَةَ في طَريقَتِهِم المبارَكَةِ في التبَرُّكِ بآثارِهِ مَنْ أَسْعَدَهُ اللهُ تعالَى، وتوارَدَ ذلكَ الخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ.

وقد روَى البُخارِيُّ أَنَّ أُمَّ سلمَةَ زَوْجَ النبيِّ كانَتْ تَحْتَفِظُ بشَعراتٍ مِنَ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم في جلجل لَهَا (وَهُوَ مَا يُشْبِهُ القَارُورَةَ يُحْفَظُ فيهِ مَا يُرادُ صِيَانَتُه) فكانَ إِذَا أصابَ أَحَدًا مِنَ الصَّحابَةِ عَيْنٌ أو أذًى أَرْسَلَ إليهَا إناءً فيهِ مَاءٌ، فَجَعَلَتْ رَضِيَ الله عنهَا الشعراتِ في الماءِ، ثم أخذُوا الماءَ يَشرَبُونَهُ لِلاسْتِشْفَاءِ وَالتَّبَرُّكِ بهِ.

فأينَ هُمْ نُفَاةُ التوسُّلِ المُشَبِّهَةُ الذينَ يُنْكُرونَ التبرُّكَ بآثَارِهِ عليهِ السَّلامُ وَيَجْعَلُونَهُ شِرْكًا، أينَ هَؤُلاءِ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم وعمَلِ الصَّحابَةِ والسَّلَفِ الصَّالِحِ وإِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ، فَنُفَاةُ التَّوَسُّلِ في وَادٍ وَالصَّوَابُ الذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنةِ في وَادٍ.

اللهمَّ اجعَلْ قُلوبَنَا عَامِرَةً بِحُبِّ وَتَعْظِيمِ وَإِجْلالِ حَبِيبِكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وَثَبِّتْنَا علَى هَدْيِهِ وَطَريقَتِهِ وأَعِدْ عَلَيْنَا الذكرَى بالخَيْرِ وَالبَرَكاتِ وَالْطُفْ بأُمَّةِ محمدٍ. هذا وأستغفِرُ اللهَ لي ولَكُم.

الخطبة الثانية:

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ وبالثباتِ على نهجِ رسولِه محمدٍ الصادقِ الوَعْدِ الأمينِ.

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا ، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون . اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation