البدعةُ وأقسامُها وحكمُ الاحتفالِ بالمولدِ الشريفِ

إنَ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونَستعينُهُ وَنَستهديهِ ونشكرُهُ وَنعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَ له ومَنْ يُضْللْ فلا هَادِيَ له, وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضدَّ ولا نِدَّ له. وأشهدُ أن سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعينِنا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلى اللهُ عليه وعلى كلِ رسولٍ أرسله. الصلاةُ والسلامُ عليك يا علمَ الهدى يا رسولَ الله، الصلاةُ والسلامُ عليك يا سيدي يا رسولَ الله، أنتَ طبُّ القلوبِ ودواؤُها وعافيةُ الأبدانِ وشفاؤُها ونورُ الأبصارِ وضياؤُها، ضاقت حيلتُنا وأنتَ وسيلتُنا أدرِكْنا يا محمد يا أبا القاسم، أدرِكْنا بإذنِ الله.

أما بعد فيا عبادَ اللهِ إنِي أحبُّكم في اللهِ وأوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ القائلِ في محكمِ التنـزيل: ﴿فالذين ءامنُوا بهِ وعزَّروه ونصروهُ. الآية، سورة الأعراف/157. وعزّروهُ أي عظَّموهُ، والقائلِ في القرءانِ الكريمِ: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءاثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَءاتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ ءامَنُوا مِنْهُمْ أجرَهم وكثيرٌ منهم فاسقون سورة الحديد / الآية 27.

إخوةَ الإيمان، قبلَ الخوضِ بشرحِ هذه الآيةِ العظيمةِ أودُّ أن أبيِّنَ لكم أن كلامَنا اليومَ بإذنِ اللهِ ربِّ العالمينَ عنِ البدعةِ وأقسامِها لِنُمَيِّزَ بينَ البدعةِ الحسنةِ والبدعةِ السيئةِ حتى إذا ما عمَّتِ الأفراحُ والاحتفالاتُ ديارَ المسلمينَ فرَحًا بذكرى مولدِ رسولِ اللهِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم يكون قد عُلمَ ابتداءَ أن هذا يدخُلُ تحتَ البدعةِ الحسنةِ وليس بالبدعةِ السيئةِ.

فقولُ اللهِ تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فيهِ استدلالٌ واضحٌ على البدعةِ الحسنةِ، لأنَّ اللهَ تعالى مدحَ الذين كانوا من أمَّةِ عيسى المسيحِ عليه السلامُ المسلمينَ المؤمنينَ المُتَّبِعينَ له بالإيمانِ والتوحيدِ، مدَحهم على ما ابتدعوا. قالَ تعالى:﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللهِ أي نحنُ ما فرضناها عليهم إنما هم أرادوا التقرُّبَ إلى الله. فالرهبانيةُ هي الانقطاعُ عنِ الشهواتِ، كانوا يبنونَ الصوامعَ أي بيوتًا خفيفةً من طينٍ على المواضِعِ المنعزلةِ عنِ البلدِ ليتجرَّدُوا للعبادةِ.

فهذا دليلُنا منَ الكتابِ أي القرءانِ على البدعةِ الحسنةِ. أما منَ السنةِ من حديثِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "من أحدَث في أمرِنا هذا ما ليسَ منهُ فهو ردٌّ" وبلفظِ ءاخر وهو: "من عمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ".

فأَفْهمَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بقولِه: "ما ليسَ منه" أنَّ المُحدَثَ إنما يكونُ ردًّا أي مردودًا إذا كانَ على خلافِ الشريعةِ، وأنَّ المُحدَثَ الموافقَ للشريعةِ ليس مردودًا.

فقد أخرجَ البخاريُّ رضي الله عنه في صحيحِه عن رفاعةَ بنِ رافعٍ الزرقيِّ قالَ: كنَّا يومًا نُصلِّي وراءَ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، فلمَّا رفعَ رأسَه من الركعةِ قالَ: سمعَ اللهُ لمن حمدَه قالَ رجلٌ وراءَه: ربنَّا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكا فيهِ، فلما انصرفَ قالَ: منِ المُتكلِّمُ، أي ِأنَّ النبيَّ لما انتهى من صلاتِه سألَ منِ المتكلمُ منِ الذي قالَ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ، فقالَ المتكلِّمُ أنا، قالَ صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ بضعةً وثلاثينَ ملكًا يبتدرُونَها أيُّهم يكتُبُها أوَّل" .

وهذا خُبَيب بنُ عدي رضي الله عنه الذي وقعَ أسيرًا في أيدي المشركينَ ولما أخرجوهُ من الحرمِ ليقتلوه قالَ دعونِي أُصلِّي ركعتينِ ثم انصرفَ إليهم فقالَ لولا أن ترَوْا أن ما بِي جزعٌ منَ الموتِ لزدتُ. فكانَ أولَ من سنَّ الركعتينِ عندَ القتلِ هو. ثم قالَ: اللهمَّ أحصِهم عددًا. ثم قالَ:

فلستُ أبالِي حينَ أقتلُ مُسلمًا على أيِّ شَقٍّ كانَ للهِ مَصرَعِي

(ثم نادى: يا محمد)

ثم قامَ إِليهِ عُقبةُ بنُ الحارثِ فقتلَه، وإحدى بناتِ الحارثِ قالت: ما رأيتُ أسيرًا قط خيرًا من خُبَيْبٍ لقد رأيتُه يأكُلُ من قطفِ عنَبٍ وما بمكةَ يومئذٍ ثمرةٌ وإنهُ لَمُوثَقٌ في الحديدِ، وما كانَ إلا رزقًا رزقَه اللهُ.

وهذا يحيى بنُ يَعْمَرَ رضي الله عنه الذي كان من التابعينَ ومن أهلِ العلمِ والفضلِ والتقوى هو أولُ من نقطَ المصاحفَ، فقد كانَ الصحابةُ يكتبونَ ما يُملِي عليهمُ الرسولُ من الوحيِ بلا نقطٍ أي الباءُ والتاءُ ونحوُهماكانوا يكتبونَها بلا نقطٍ، وكذا عثمانُ بنُ عفانٍ رضيَ اللهُ عنه لما كتبَ ستةَ مصاحفَ وأرسلَ ببعضَها إلى الآفاقِ إلى البصرةِ ومكةَ وغيرِهما واستبقى عنده نسخةً كانت غيرَ منقوطةٍ.

أما المولدُ فهو من البدعِ الحسنةِ، نعم لم يكن في عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا فيما يليهِ إنما أُحدِثَ في أولِ القرنِ السابعِ الهجريِ وأولُ من أحدثَهُ ملكُ إربل الذي كانَ عالِمًا تقيًا شجاعًا يقالُ له المظفرُ جمعَ لهذا كثيرًا من العلماءِ فيهم مِنْ أهلِ الحديثِ والصوفيةِ الصادقينَ، فاستحسَنَ ذلك العملَ العلماءُ في مشارِقِ الأرضِ ومغاربِها ومن هؤلاءِ العلماءِ الحافظُ أحمدُ بنُ حجرٍ العسقلانيُّ وتلميذُه الحافظُ السخاويُّ وكذلك الحافظُ السيوطيُّ وغيرُهم.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من سنَّ في الإسلامِ سنّةً حسنةً فلهُ أجرُها وأجرُ من عملَ بِها بعدَه من غيرِ أن ينقُصَ من أجورِهم شىءٌ، ومن سنَّ في الإسلامِ سنّةً سيئةً كانَ عليهِ وِزرُها ووِزرُ من عملَ بِها من بعدِه من غيرِ أن ينقُصَ من أوزارِهم شىءٌ". اللهم وفِّقْنا لفعلِ الخيرِ يا ربَّ العالمين. هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم

الخُطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ . عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿ إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى:﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn